Site icon IMLebanon

ثلاثية إيران الجديدة

هذه الجماهير المدينية الناخبة من الشباب والنساء والتكنوقراط ورجال الأعمال في إيران، وأمثالهم من المقيمين في الغرب، موالين والأكثر معارضين، تصلح تسميتُهُم كتحالفٍ سياسيٍّ واجتماعيِّ وفكريٍّ بعد الاتفاق النووي: المفاوضون.

تتشكّل دينامية بادئة مسيطرة في الوضع الإيراني بعد الاتفاق النووي مع واشنطن والدول الكبرى. دينامية مثلّثة:

“المفاوض” يحمل رسالة النظام والمجتمع للعالم. هو يضم كل هذه القوى التي تؤيِّد التغيير الداخلي عبر الخارج. هذه قوى بعد اليوم، ودائما “اليوم” يعني الاتفاق النووي، هي صلة إيران بالعالم وصلة العالم بإيران. هذا ما قالته الانتخابات الأخيرة.

“الناخب”، حتى لو لم ينتخب بكامل حريته، هو القوة الحاملة لمؤشرات ودعم الانتقال في المجتمع.

“النظام” هو المرشد والحرس الثوري والحرس الفقهي والجدار الأيديولوجي والأمني والسياسي والاقتصادي الذي يحميه.

العنصر السياسي غير المسبوق الذي يجعل الثلاثية جديدة هو المفاوض. ومنطق الاتفاق النووي باعتباره مركز التحول التاريخي للمرة الأولى منذ عام 1979 الذي ينقل النظام من الحكم بالأيديولوجيا إلى مدى متحوِّل يديره النظام ليحقق التغيير دون أن يسمح للتغيير بتجاوزه أي للسيطرة على مساره وهو مسار صراعي لا يزال في بداياته.

المفاوض هو القوى التي سمح النظام لها من داخله بتمثيل هذا القرار الاسترتيجي. إِما أنّه أفرزها كحسن روحاني وإما أنه “استدعاها” كجواد ظريف.

المفاوض كنخبة هو مزيج من النخبة القديمة للنظام ونخبة أخرى صاعدة. بعد الاتفاق النووي قراءة السجلات الشخصية لممثلي الدولة في مجالات الديبلوماسية والاقتصاد صار ضرورة كما كنا نقرأ سجلات الأسماء الثورية بعد 1979. الآن لنسأل عن عشرات “المفاوضين” من الخبراء والتكنوقراط ورجال الأعمال والديبلوماسيين الذين سيتعاملون مع المرحلة الجديدة.

كلُّ منخرطٍ في العملية الضخمة الجارية بعد الاتفاق النووي، بمن فيها في مجلس الشورى والحكومة، يجب أن يسمّى “مفاوضا” لا بالمعنى الوظيفي الضيق وإنما بالمعنى السياسي الذي يمكن أن يجعل مهندسا في أقاصي خراسان جزءا من الدينامية الجديدة التي تمتد من واشنطن إلى طهران.

قوى “التفاوض” الإيراني تضم شرائح جديدة من الداخل والخارج. كما أن الناخب، أيضا ليس بالمعنى الضيِّق، متّصلٌ بالدياسبورا العريضة التي تمتلئ بمعارضي النظام الذين باتوا يراهنون على إمكان التغيير وربما وصلت أحلامهم، وهي قطعاً مبكرة جدا، إلى مسار تغيير النظام الديني. أيا تكن مواقعم، بل أيا تكن أحلامهم حالمة، اللافت الخطير هنا نجاح الاتفاق النووي، وهذا نجاح للنظام ولكن أيضا للتيار الغربي وخصوصا الأميركي على حصول الاتفاق، في إحداث حشد غير مسبوق من قوى المجتمع الإيراني للرهان على، والانخراط، في العملية التغييرية. فالغرب، أو التيار الذي اختار هذا الخط، يعي عميقا أن الاتفاق مهما بلغت قدرة النظام على التحكّم والضبط، يُطلق قوى جديدة في دينامية تغييرية حتما.

الشكوى لا تزال من العديد من الأصوات الإيرانية شديدة على تصاعد الضبط الأمني. ولكن دعونا لا ننخدع إلى أين يتجه التاريخ: إلى التغيير.

لن تختلف الأمور سريعا. ولكن حقبة مختلفة بادئة.

النظام اتخذ قرارا استراتيجياً بقلب الصلة مع العالم. وهو بطبيعة الحال سيعمد إلى النموذج الصيني حيث يتغيّر الاقتصاد ولا يتغيّر النظام؟

على المدى القصير وحتى المتوسط هذا سيحصل على الأرجح. والانتخابات الأخيرة شاهدٌ عليه. لكن سيكون من المبكر الجزم.

اللعبة ضخمة لأنها تشمل ليس فقط إيران وإنما أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط. لكن الأمر الأكيد أن ممثلي السياسة الإيرانية الذين تعوّدنا عليهم كنماذج أيديولوجية وأمنية وسياسية لن يكونوا وحدهم في المرحلة المقبلة بل ستدخل أنماط جديدة سنتعرّف عليها تدريجيا مثلما تعرفت الكاميرات على ضفاف بحيرة جنيف ولوزان وحدائق فيينا على وجوه من الديبلوماسيين والعلماء الذين لجأ إليهم النظام وهم من أفضل العقول والكفاءات الإيرانية وعدد كبير منهم خريجو أميركا. جواد ظريف كعينة، لم يدرس فقط في أميركا بل عاش فيها ثلاثين عاما. هذا يعني أنه أكثر من خرّيج. هو “أميركي” ثقافيّا!

اسم التغيير في إيران منذ الاتفاق النووي هو “التفاوض”.

وكل شيء مطروح للتغيير بما فيها، ليس فقط السياسات بل البنية الحاكمة.

الناخب حتى لو لم ينتخب بكامل حريته هو قاعدة التغيير وربما الأدق إطلاق التغيير.

هذه الجماهير المدينية من الشباب والنساء والتكنوقراط ورجال الأعمال في إيران، وأمثالهم من المقيمين في الغرب موالين والأكثر معارضين تصلح تسميتهم، كتحالف سياسي واجتماعي وفكري بعد الاتفاق النووي: المفاوضون.

سيبقى للعناوين القديمة أهميتها لفترة طويلة وقد يقاتل بعضها أو ينضم بعضها للتيار الجديد خصوصا في ما تبقّى من مرحلة المرشد علي خامنئي أو قد يُٰزاح بعضها عبر ذلك الغموض الذي تتميّز به قرارت إيرانية واضحة!

الدولة – الأمة الإيرانية في رقصة تحوَّل هائلة. الدولة – الأمة التركية في مشروعها الغربي وتحاول حاليا الانتهاء من حقبة رجب طيِّب أردوغان بعدما أصبحت عبئاً عليها. الدولة-المجتمع الإسرائيلي في ذروة قوته العسكرية والتكنولوجية، بينما المجتمع يدعم الدولة في خيار إنكارها للحقوق الفلسطينية. ماذا عنا نحن العرب؟