تثبت التطورات المستجدة، خصوصاً في مجال العقوبات الاميركية على إيران وتداعياتها على الاقتصاد الإيراني، أنّ الحرب الاقتصادية ربما تكون أكثر جدوى من الحرب بالحديد والنار، فقد لا تعود الحرب جيوشاً وعساكر، ودبابات وصواريخ وما سوى ذلك من أسلحة الدمار الشامل أو غير الشامل، إنما هي حرب الحصارات الاقتصادية حتى … التجويع.
وهذا ما يبدو أنّ الشعب الايراني بدأ يعانيه، أو ازدادت معاناته جراء الحصار الاقتصادي المضروب على إيران تحت تسمية العقوبات.
فالـ 80 مليون إيراني بدأ إعتراضهم يظهر في شوارع طهران وسائر المدن والبلدات الايرانية، وأخذوا «يدقّون» في المقدّسات كحرق نصب سلمان الفارسي، وكالإعتداء على الحوزات (التي تنتج علماء الدين)… وذلك ليس إعتراضاً على الدين بحد ذاته إنما هو تعبير عن الغضب الشديد من النظام الذي يحكم بإسم الدين، وكذلك إعتراض شعبي عارم على أدوات النظام كلها من شخصيات ومؤسّسات بدءًا برئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني حتى المرشد الأعلى الفقيه علي خامنئي، الذي كان مجرّد التفكير في التعرّض له شخصياً يُعتبر مسّاً بما لا يجوز المس به كونه بمثابة المقدّسات.
والإعتراض الشعبي يتصاعد مع البدء، أمس تحديداً، بتنفيذ دفعة جديدة من العقوبات التي كانت مجمّدة التنفيذ، الى أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة إطلاقها مجدداً.
وجراء هذه العقوبات أشار مسؤولون أميركيون الى ان «الاقتصاد الايراني في انهيار وتدهور خلال السنوات الأخيرة، من قبل إعادة فرض العقوبات، والسبب أنّ النظام الايراني لم يستخدم الموارد التجارية والاقتصادية، وحتى الطائرات الايرانية، في خدمة الشعب، بل في خدمة الإرهاب، ودعم نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري»، منوّهين الى الدعم الايراني أيضاً لـ»حزب الله» في لبنان، والميليشيات المسلحة في العراق واليمن، لذلك أخذت واشنطن على عاتقها معاقبة النظام الايراني.
ويبدو أنّ الحال التي آلت إليها العقوبات الاميركية سابقاً والتي ستؤول إليها لاحقاً هي بالغة الشدة والصعوبة.
وقد وجّه خبراء إقتصاديون إيرانيون، أمس، انتقادات لاذعة الى الرئيس الايراني حسن روحاني بسبب تفشّي الفساد في أجهزة الدولة الايرانية، وقدّموا في رسالة مفتوحة حزمة مقترحات للخروج من الازمة الاقتصادية، محذرين من تراجع ثقة الرأي العام بالنظام نتيجة «الفساد والمحسوبية والرشوة».
واقترح 38 خبيراً إقتصادياً في الرسالة حزمة إقتصادية على الرئيس الايراني لمواجهة المشكلات الاقتصادية، فضلاً عن قائمة من المشكلات ونواقص الاقتصاد الايراني، محملين حكومة روحاني مسؤولية العجز الاقتصادي، وفق ما ذكرت وكالة «إيلنا» الاصلاحية.
ونصح الخبراء الرئيس الايراني بألا يتعجل في تدشين السوق الثانوية للعملة والتي أعلنتها الحكومة أول من أمس، وطالبوا بخروج جميع الاجهزة العسكرية والمؤسسات التابعة لها من الاقتصاد الايراني، والعمل على تنقية النظام.
وطبعاً لم تتوقف الاحتجاجات والاعتراضات على أنواعها عند الخبراء الاقتصاديين والفئات الشعبية بل تعدتهم الى مجلس الشورى… وكان 80 نائباً وقعوا في آذار الماضي على مساءلة روحاني حول 5 محاور بشأن الازمة الاقتصادية، لكن رئاسة البرلمان لم تقر المساءلة إلاّ في الاسبوع الماضي.
في شأن متصل، شكك نائب رئيس البرلمان الايراني علي مطهري في «شجاعة (روحاني) في قول كل الموانع» تحت قبة البرلمان، وقال في هذا الصدد: «إذا كان روحاني سيقول كل الحقائق في البرلمان، فسيكون حضوره مفيداً، طبعاً لا أعتقد أنّ لديه شجاعة لقول كل الموانع، وسيحجب جزءًا منها بذريعة مصالح البلد».
لقد أطاح الخميني شاه إيران محمد رضا بهلوي في أواخر سبعينات القرن العشرين الماضي من دون حرب أو مواجهة عسكرية أياً كان نوعها… فقط بالتظاهرات… فسقطت الامبراطورية ليُقام على أنقاضها نظام آيات الله بزعامة آية الله الخميني الذي ورثه، ولا يزال، في ولاية الفقيه آية الله الخامنئي… وكما جاء هذا النظام بالتظاهرات فهو سيسقط بالتظاهرات، والشعب الجائع والذي ينظر الى الريال الايراني تتبخر قوته الشرائية لن يأكل شعارات في بلد من أغنى البلدان بثرواته الطبيعية والبشرية، وقد «نجح» النظام في تحويله الى بلد قسم كبير من شعبه تحت خط الفقر.
عوني الكعكي