IMLebanon

لماذا هذا التشاؤم في السنة الجديدة؟

 

تُخيم أجواء من الحذر والقلق على اللبنانيين مع بداية السنة الجديدة، التي أطلت برأسها على إيقاع العواصف الخلافية بين أطراف الحكم، وخاصة بين الرئاستين الأولى والثانية، وتداعياتها على الأوضاع المتدهورة أصلاً في البلد، وحالة الشلل التي تُعطل جلسات مجلس الوزراء.

 

مناخات التشاؤم السائدة التي تتحكم بمشاعر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين خوفاً من أن تكون السنة الجديدة أسوأ من سابقتها، كما حصل في السنتين الماضيتين،  لها ما يُبررها على أكثر من صعيد في مسارات الأزمات المتفاقمة، ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:

 

أولاً: إستمرار الغيبوبة العميقة التي تغرق فيها السلطة الحالية، نتيجة الصراعات الشخصية بين مرجعياتها، الأمر الذي أدى إلى فقدان مرجعية القرار في الدولة المتداعية.

 

ثانياً: هيمنة سياسة العناد والمكايدة على مراكز القرار، دون الأخذ بعين الإعتبار الحد الأدنى من مصالح العباد والبلاد التي تقتضي من جميع الأطراف التواضع في التعاطي مع آلام الناس، والتنازل عن المواقف المتشنجة، والإلتقاء على نقطة وسط، تُسهل فتح أبواب المعالجات الناجعة للإنهيارات الراهنة.

 

ثالثاً: حالة الضياع وفقدان التوازن في الحكم الحالي، والذي أوصل الدولة إلى هذا التخبط في إرتجال القرارات العشوائية، المالية والإجتماعية خاصة، وزيادة الأوضاع السيئة إنهياراً.

 

رابعاً: تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وإحتمال تأخرها إلى أجل غير مسمى، طالما بقي التعطيل يتحكم في إجتماعات الحكومة الحالية، التي إقتصرت جلساتها على شهرها الأول فقط، لأن من شروط الصندوق الدولي وجود حكومة كاملة الصلاحيات وقادرة على إتخاذ القرارات بالبنود التي يتم الإتفاق عليها مع الجانب اللبناني.

 

خامساً: حالة التسيّب المتصاعدة في السوق النقدي، والتي نسفت كل السقوف المتوقعة لإرتفاع الدولار الذي تجاوز عتبة الثلاثين ألفاً، وبدأ رحلة الأربعين دون أن تظهر أية بوادر لقدرة البنك المركزي على لجم السوق السوداء، والحد من مسلسل إنهيار الليرة.

 

سادساً: إستفحال موجة الجنون في أسعار السلع الغذائية والحاجيات الضرورية، وفقدان الدواء وتراجع القدرات الإستشفائية، في ظل غياب شبه كامل للدولة، بمعظم أجهزتها ومؤسساتها، عن القيام بما تيسر من مسؤولياتها وواجباتها.

 

سابعاً: وهنا تكمن الطامة الكبرى، حيث البلد يغرق في العتمة منذ أكثر من سنة، وكل الوعود، التي تُطلق بين الحين والآخر من كبار المسؤولين، بعودة التيار أو تحسين ساعات التغذية، بقيت كلاماً في الهواء، حيث تبخرت وعود إستجرار الطاقة من الأردن والغاز من مصر مطلع هذه السنة لتأمين عشر ساعات كهربائية، والتاريخ الجديد أصبح آخر شباط المقبل، دون توفير أية ضمانات جدية لإنجاز الترتيبات اللازمة قبل هذا التاريخ، وخاصة مسألة توفير التمويل لصفقات الغاز المصري.

 

إزاء كل هذه الغيوم السوداء المشحونة بالتشاؤم والقلق التي تخيم في سماء اللبنانيين، يبقى السؤال الأساس:

 

هل ثمة فرصة لتحقيق «ثغرة ما» تؤدي إلى مسالك الخروج من هذه المحنة التي طحنت حياة اللبنانيين وأوصلتهم إلى جهنم ؟

 

من المبكر القول أن هذه السنة قد تشهد بداية الخروج من دوامة الأزمات المدمرة، ومن غير المتوقع أن تؤدي الإنتخابات النيابية، في حال حصولها في مواعيدها الدستورية، وعدم تأجيلها لأسباب ليست خافية على أحد ، إلى تغيير أساسي في تركيبة المنظومة السياسية، والمعادلات الراهنة في السلطة، رغم الرهانات المتعددة على الخروقات التي يمكن أن تُحدثها قوى المجتمع المدني ومرشحو حراك ١٧ تشرين.

 

ولا يمكن إنتظار نتائج الحوار الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون، والذي يبدأ مشاوراته اليوم مع القيادات السياسية حولها، لأن هذه الدعوة وُلدت ميتة أساساً، ليس لأنها جاءت متأخرة أكثر من سنتين وحسب، بل لأن معظم القيادات رفضت الدعوة المريبة بأهدافها، فضلاً لأن لا جدوى من حوار يترأسه رئيس جمهورية هو في الأشهر الأخيرة من ولايته.

 

ولو كان ثمة حد أدنى من الجدية في الدعوى للحوار، لكان تم إعتماد إعلان بعبدا بمثابة ورقة عمل لطاولة الحوار، إختصاراً للنقاشات المملة وغير المجدية، وتأكيداً على نية السلطة على التجاوب مع المناخات العربية والدولية في تحقيق السياسة الدفاعية وحصر السلاح بالأجهزة الشرعية، وإلتزام لبنان بمبادئ الحياد عن الصراعات المشتعلة في المنطقة.

 

بعيداً عن حسابات التشاؤم والتفاؤل، ليس أمام اللبنانيين إلا الصلاة والدعوات لتمرير الأشهر المقبلة بأقل قدر ممكن من الخسائر!