رغم علم الجميع أنّ الانتقال من عام الى عام لا يعني قفزاً من العتمة الى الضوء ولا من الحفرة الى السطح، يبقى أمل اللبنانيين معقوداً على حبل نجاة أو على تحقّق أولويات تختصر درب الجلجلة التي فرضتها علينا منظومة النهب والتعطيل والتضحية بلبنان على مذبح الإقليم.
وإذ ينتاب اللبنانيين القلق إزاء أزماتهم المستعصية سياسياً، سيادياً واقتصادياً، والتي تسلبهم حقّهم في عيش آمن وكريم، وتهجّر أبناءهم، يُطرح بإلحاح مع نهاية العام احتمال أن تفتح سنة 2024 باب خروج من الأزمة كون «طوفان الأقصى» تطوّراً استراتيجياً كبيراً سيبنى على مقتضاه في المنطقة ولبنان.
كلنا في انتظار نتائج حرب غزة و«مشاغلة» حزب الله نيابة عن محور الممانعة، لأنها ستغيّر المعادلات أياً تكن نتائج الميدان. وإذا كان اللبنانيون مجْمعين على أنّ انتخاب رئيس يشكّل مدخلاً لمعالجة الشذوذ الدستوري القائم ومفتاحاً لسائر الملفات الإصلاحية المعقّدة، فإنّ أكثريتهم ترى، في الوقت نفسه، البلاد عالقة في عنق زجاجة نظام سياسي مولِّد للأزمات، إمّا أنّ تغييره صار ضرورة ماسَّة، أو أنّ تطويره وتعديله يمكن أن يعيدا إليه الحياة.
بات حديث كثيرين عن مستقبل النظام مرادفاً لهاجس بقاء أبنائهم في لبنان أو هجرتهم بعدما فشل دستور الطائف بمهمة بناء الدولة واستعادة سيادتها، إمّا لعطب بنيوي فيه أغفل طبيعة التركيبة اللبنانية أو لرداءة من إئتُمنوا على تنفيذه. وإذ سئموا الدعوات الى استكمال تطبيق «اتفاق الوفاق»، فإنهم في المقابل لا يزالون بعيدين عن التوافق على أي مشروع بديل طالما اقتصر السعي اليه على فريق ولم يطرح على الطاولة بين مختلف المكوّنات.
في العام الجديد، سيبقى البحث في الصيغة الأكثر ملاءمة لعيش حرّ وسلم أهلي دائم ضمن الوحدة واجباً على الباحثين والنخب والقوى السياسية الديموقراطية، ولأنّ المسار طويل، فإنّه لا غنى عن أولويات وطنية يجب أنّ تشكل عناوين عريضة للعام الجديد، مثلما تصلح برنامجاً مرحلياً لكل مُطالب باستعادة دولة القانون:
أولاً- التمسّك بالقرارات الدولية وبكل مندرجات القرار 1701 الذي يستعيد السيادة على الحدود الجنوبية بشراكة أممية. والتأكيد على حياد لبنان والتزامه التام الشرعية الدولية وقرارات الجامعة العربية.
ثانياً- الإصرار على ملء كرسي بعبدا بعيداً عن الهرطقات الدستورية تمهيداً لإحياء كل المؤسسات والإدارات.
ثالثاً- الضغط لإقرار الإصلاحات البنيوية التي طلبها صندوق النقد الدولي وإتمام الاتفاق معه كمدخل لبث الروح في شرايين الاقتصاد اللبناني.
رابعاً- تحديد المسؤولية عن خسارة الودائع وحجمها ومصارحة الناس بما يمكن استعادته منها ومحاسبة المتورطين في عملية نهب اللبنانيين، وهم ليسوا كائنات فضائية، بل شُذّاذ آفاق و«عصابة أشرار» لهم أسماء وعناوين.
خامساً- استعادة هيبة القضاء برفض الخضوع لتعطيل عمل المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، والإصرار على كشف الحقيقة ومحاكمة المجرمين.
سادساً- التصدّي لتوطين النازحين السوريين وعدم الانصياع لرغبة الدول الغربية في إبقائهم في لبنان أياً تكن المبررات.
كلها أولويات تحت سقف الدستور، وتتضمّن حقوقاً بديهية وأصيلة للوطن والمواطنين. وهي برسم المتمسّكين بـ«الطائف» أولاً، قبل كل الآخرين.