من الأمور التي تمر مرور الكرام في خضم النشرات والتقارير الإخبارية اليومية ذات الصلة بتنظيم داعش والأزمة السورية٬ أن وزارة الدفاع الأميركية بدأت في اختبار أسلحة جديدة وغريبة٬ تلك التي يمكنها ردع روسيا والصين.
ولقد بدأ المسؤولون في وزارة الدفاع الحديث بصراحة عن استخدام أحدث الأدوات في علوم الذكاء الصناعي والتعلم الآلي لصناعة الأسلحة الروبوتية٬ أو ما ُيعرف بـ«فرق الإنسان والآلة»٬ والجنود فائقي القدرات القتالية. قد يبدو الأمر مثل روايات الخيال العلمي٬ ولكن المسؤولين في وزارة الدفاع يقولون إنهم خلصوا إلى حقيقة مفادها أن النظم ذات التقنية العالية هي أفضل الوسائل لمواجهة التحسينات السريعة التي تجريها الجيوش الروسية والصينية.
وفي مقابلة شخصية أجريت الأسبوع الماضي مع روبرت وورك نائب وزير الدفاع الأميركي والجنرال بول سيلفا نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة٬ أوضح كل منهما الأمر بشأن الأسلحة الأميركية الجديدة والرائدة. وكانت تعليقات الرجلين هي الأخيرة في سلسلة من الإفصاحات حول ما كان٬ حتى شهور قليلة ماضية٬ مجرد بضعة أبحاث عسكرية عالية السرية.
وقال وورك٬ موضًحا الأمر: «تلك هي الطريقة التي سنجعل بها شبكاتنا القتالية أكثر قوة٬ كما نتوقع٬ ونضخ قدًرا كافًيا من الشكوك في أذهان الروس والصينيين بأنه إذا ما دخلوا في حالة مواجهة مباشرة معنا٬ لن يتمكنوا من بلوغ مستوى السيادة في أي حرب تقليدية (غير نووية). وذلك هو تعريف الردع التقليدي».
ُيعَبر عن هذه المقاربة عالية التقنية٬ داخل أروقة وزارة الدفاع٬ بالعبارة المملة التي تقول «استراتيجية المقابلة الثالثة»٬ وهي محاكاة للمقابلات السابقة التي كانت تراقب التقدم العسكري الروسي خلال الحرب الباردة. كانت المقابلة الأولى تتعلق بالأسلحة النووية التكتيكية٬ وتعلقت المقابلة الثانية بالأسلحة التقليدية الموجهة فائقة الدقة. وُيفترض أن المقابلة الثالثة تدور حول المساعدة التي يمكن للأسلحة الروبوتية الذكية تقديمها لاستعادة مبدأ الردع الذي تعرض للتآكل إثر التقدم العسكري المطرد لدى كل من الجيش الروسي والصيني.
ولقد أصدر الجنرال جوزيف دانفورد٬ الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة٬ تحذيًرا خلال جلسة الاستماع لتأكيد ترشيحه للمنصب الجديد في يوليو (تموز) الماضي٬ حيث قال إن روسياُتشكل أكبر تهديد «وجودي» موجه ضد الولايات المتحدة. وقال وورك في خطاب ألقاه مؤخًرا إنه بسبب التركيز الذي أولته الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط منذ عام 2001 «كان البرنامج لدينا بطيئا في التكيف والتوافق مع تلك التهديدات الكبيرة التي بدأت في الظهور».
تشتمل ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لعام 2017 على بعض الأموال المخصصة لتحفيز التقنيات الفائقة ومنها 3 مليارات دولار مخصصة للأسلحة المتقدمة لمواجهة الهجمات الصاروخية طويلة المدى من جانب الصين على القوات البحرية الأميركية٬ و3 مليارات دولار أخرى مخصصة لتحديث النظم العاملة تحت سطح البحر٬ و3 مليارات دولار مخصصة لفرق الإنسان والآلة وعمليات الاحتشاد بواسطة الطائرات من دون طيار٬ و1.7 مليار دولار مخصصة للنظم الإلكترونية التي توظف الذكاء الصناعي٬ و500 مليون دولار مخصصة للمناورات الحربية والمحاكيات وغيرها من اختبارات المفاهيم العسكرية الجديدة.
تعرضت إدارة أوباما في بعض الأحيان للانتقادات لكونها بطيئة في الاستجابة للتهديدات الروسية والصينية٬ ويبدو أنها خلصت في نهاية المطاف إلى أن الاستراتيجية المثلى للولايات المتحدة تكمن في الاستفادة من أفضل ميزاتها ألا وهي التكنولوجيا. وتذكرنا تلك المفاهيم بمبادرة «حرب النجوم» التي أطلقها الرئيس الراحل رونالد ريغان قبل 30 عاًما.
كان السبب وراء تجدد الاهتمام الكبير بالتكنولوجيا الفائقة هو اجتماع لمجلس خبراء العلوم الدفاعية٬ والذي أجرى «دراسة صيفية» للأسلحة الروبوتية ذاتية التحكم. ولقد حذر المجلس في الدراسة المذكورة بالقول: «تصوروا لو أننا لسنا على استعداد لمواجهة مثل هذه القدرات التي بحوزة أعدائنا».
وتدور اللعبة٬ في جزء منها٬ حول البعث برسالة إلى الروس والصينيين. ولقد وصف وورك روسيا بأنها «قوة عظمى تعاود الظهور»٬ ووصف الصين بأنها قوة متصاعدة ذات قدرات تكنولوجية كامنة ومؤثرة من شأنها أن تجسد قدًرا من التحديات الاستراتيجية الأكثر استدامة». وفي إعلان الميزانية في 2 فبراير شباط)٬ تحدث وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر حول «العداء» الروسي في أوروبا وقال: «لم يكن لدينا ما يدعو للقلق بشأن ذلك منذ 25 عاًما٬ في حين أنني كنت أتمنى أن يكون الأمر على خلاف ذلك٬ ولكن القلق بات يساورنا الآن».
أثار كارتر بعض الدهشة في إعلان الميزانية الأخير عندما وصف «مكتب القدرات الاستراتيجية» بوزارة الدفاع٬ وهي المبادرة عالية السرية التي بدأها في عام 2012 حيث أشار إلى أن ذلك المكتب كان يعمل على أنظمة الملاحة المتقدمة في الأسلحة الذكية باستخدام الكاميرات المصغرة والمستشعرات٬ وأنظمة الدفاع الصاروخي باستخدام القذائف فائقة السرعة٬ وطائرات الاحتشاد من دون طيار والتي تتميز بالسرعة الفائقة والمقاومة العالية.
وأوضح وورك الاستعدادات لمناقشة الأسلحة الجديدة والغريبة. وأثناء المقابلة٬ُعرض نموذج مصغر من طائرة «بيرديكس» من دون طيار٬ والتي يبلغ طولها أقل من قدم٬ والتي طارت برفقة 25 طائرة أخرى ضمن شبكة محكمة في الصيف الماضي بعد إطلاقها من طائرة كبيرة. وتعد تلك الطائرات من دون طيار جزًءا من رؤية وزارة الدفاع الأميركية للقتال المستقبلي.
وفرت ميادين المعارك الأوكرانية والسورية فرًصا هائلة لإظهار القدرات العسكرية الروسية. ومن خلال المقابلة الشخصية وغيرها من التعليقات الأخرى٬ فهرس وورك التقدم العسكري الروسي الذي اشتمل على شبكات القتال الآلية٬ وأجهزة الاستشعار المتقدمة٬ والطائرات من دون طيار٬ والأسلحة المضادة للأفراد٬ وأجهزة التشويش الإلكتروني.
ولقد حذر وورك أمام جمع في مركز الأمن الأميركي الجديد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قائلاً: «أعداؤنا٬ وبصراحة شديدة٬ يسعون للحصول على العمليات البشرية المتقدمة والمعززة٬ وإن ذلك يشيع بكل تأكيد حالة من القلق الشديد لدينا».