تتجه إسرائيل إلى إعادة استنساخ حكومتها اليمينية الماضية، برئاسة بنيامين نتنياهو، مع فارق في أن رئيسها بات أكثر قدرة على المناورة مع شركائه، قياساً بالماضي.
وكما هي التساؤلات لدى البعض إزاء الاستحقاقات الإسرائيلية، كحل الكنيست وقرار الانتخابات المبكرة، كذلك هي ذاتها في أعقاب الانتخابات: هل تتوثب إسرائيل لشن حرب على لبنان، وهذه المرة على خلفية نتائج الانتخابات وتأكد اليمينية في إسرائيل؟
قد تكون أول أسباب التساؤل لدى البعض هو الرغبة، بمعنى التمنّي، أن تبادر إسرائيل إلى مواجهة عسكرية، لأن رهانهم على الخيار الإسرائيلي لا يزال حياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حديث الحرب مطلوب لذاته في سياق مجاراة الحرب الأميركية على حزب الله وبيئته وحلفائه، من باب التهويل في حد أدنى، وفي سياق وموازاة الضغط الأميركي الذي تنقصه الرافعة العسكرية مع صدقية التلويح بها.
وفي مواجهة إعادة ــــ أو استمرار ــــ الحديث عن الحرب الإسرائيلية، الكلام يطول:
من دون أي ارتباط بوجود نتنياهو واليمين حاكماً سياسياً في تل أبيب، أو بالانتخابات الأخيرة ونتائجها، تشخّص إسرائيل خطورة تعاظم قدرات حزب الله العسكرية على الأمن الإسرائيلي. ليس فقط بما يتعلق بـ«إن» عمد إلى استخدام هذه القدرات، بل في أصل وجودها الذي يمنع تل أبيب عن المناورة وفرض إرادتها، مع إدراكها بأن قرار استخدام القدرات وارد ومرجح.
يضاف إلى ذلك أن مستوى التهديد يتصاعد مع ما يتردد في إسرائيل عن مشاريع وصناعة تتعلق بدقة الوسائل القتالية التي تقول إنها باتت موجودة في لبنان. وهو تهديد يوازي (أو يزيد على) كل التهديدات السابقة مجتمعة، العددية والنوعية الواردة إلى ترسانة حزب الله.
نظرياً، زيادة حدة التهديد وتعاظمه النوعي، ومن ثم دقته، من شأنه أن يؤدي الى تقليص الفارق بين الثمن والنتيجة في المعادلة الأساس، التي تمتنع إسرائيل بموجبها عن اللجوء إلى الخيارات العسكرية في الساحة اللبنانية، والقائمة على أن الثمن المقدر أن يُدفع في الحرب أعلى من النتيجة المتوخاة منها، هذا إن لم تكن النتيجة غير يقينية.
ما يثير التساؤل منطقياً عن المواجهة بين الجانبين، هو تلك العلاقة بين تنامي قدرة حزب الله العسكرية وتعاظمها النوعي والدقيق، وبنتيجتها تنامي وتعاظم الجدوى من استهدافها، الأمر الذي يزيد من حافزية إسرائيل لـ«المعالجة» العسكرية.
لكن ما الذي يمنع الحرب الإسرائيلية، طالما أن الجدوى باتت عالية جداً، في حال القدرة على إزالة ما أمكن من تهديد حزب الله المتعاظم؟
يعترض إرادة هذه الحرب الإسرائيلية، كما يرد من إسرائيل نفسها، أن الثمن المقدر دفعه، مهما كان الفارق مقلصاً بين هذا الثمن ونتيجة هذه الحرب، غير كاف بذاته لمباشرتها. فالثمن كذلك ارتفع إلى الحد الذي بات القليل منه يعادل أثماناً كانت في الماضي القريب تمنع الحرب.
هي جدلية بين العوامل التي تدفع إسرائيل إلى الحرب، وتلك التي تدفع إلى الامتناع عنها وتفرض عليها «عقلنة» المعايير والابتعاد عن توجهات ومصالح هذه الشخصية أو تلك مهما علا شأنها. نتيجة هذه الجدلية، إلى الآن، ورغم التطور الطارئ على قدرة حزب الله، مستقرة على الآتي:
ترتفع حافزية إسرائيل ودافعيتها للبدء بلا إبطاء باستخدام الخيارات العسكرية الواسعة، في مقابل تَعزُّز ــــ وبمستوى أعلى ــــ ما يدفعها إلى الامتناع عنها.
هذه المعادلة ونتيجتها، تفسر جملة تطورات ومواقف و«تهويلات» سُجِّلت في الفترة الأخيرة (مع أو من دون انتخابات) وقادتها الولايات المتحدة إزاء الساحة اللبنانية. وما كانت واشنطن لتُقدم عليها، لو كان لدى إسرائيل خيارات عسكرية مجدية، قادرة على أن تستخدمها ضد حزب الله، بالأصالة عن نفسها و/أو عن حلفائها كما عن أولئك المراهنين عليها.
فرصة إقدام الحكومة الإسرائيلية الجديدة على شن اعتداء على لبنان تعادل الفرصة التي كانت للحكومة السابقة
الترجيح للآتي أن تواصل إسرائيل، بمعية الولايات المتحدة، وعدد من الأتباع، استخدام ما لديهما من وسائل ضغط مصحوبة بالتهويل على حزب الله ولبنان. وهي مزيد من الشيء نفسه، وإن باتت «اللعبة» مكشوفة وواضحة أكثر، عما كانت عليه في الماضي.
مرة أخرى، الاستحقاقات الإسرائيلية ومواقيتها ليست عاملاً من عوامل الحرب الإسرائيلية، وتحديداً ضد الساحة اللبنانية المشبعة بالقدرة على الرد، والذي بات القليل منه مؤلماً، مهما كانت شدة وقدرة إسرائيل على الإيلام، إن قررت البدء بالحرب.
وربطاً بالتساؤلات، فرصة إقدام الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة على شن اعتداء عسكري على لبنان، تعادل الفرصة التي كانت للحكومة اليمينية السابقة، مع الرئيس نفسه ومع معظم مكوناتها: العوامل نفسها، والحوافز نفسها، كما أن القدرة على الإيذاء هي نفسها، وإن أمكن الجدال في الجدوى. هذا من ناحية إسرائيل. في المقابل، كل يوم يمضي يزيد من ثمن الخيارات الإسرائيلية العسكرية الواجب على إسرائيل أن تستحضرها على طاولة القرار، وهي معادلة منطقية مع الزيادة التراكمية في عدد ونوعية و«دقة» ما لدى حزب الله من وسائل قتالية.