هل يسمع القادة المسيحيون المقاطعون صوت القمة الروحية المسيحية فينزلون الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية بعدما صار انتخابه أكثر من ضرورة سياسية وأمنية واقتصادية، أم أن صوت الخارج، وتحديداً صوت إيران، يظل الأقوى في آذانهم فيعمي قلوبهم وضمائرهم ما داموا يقدمون مصلحتهم على مصلحة الوطن؟” ويظل نواب يقولون بلا حياء ولا خجل “إما انتخاب عون رئيساً أو لا رئيس وسيستمر تعطيل النصاب الى أبد الآبدين”؟ أم يكون لدول شقيقة وصديقة، وتحديداً روسيا، تأثير على أيران فتوافق على فصل أزمة الانتخابات الرئاسية عن أزمات المنطقة ولا سيما عن أزمة سوريا، فينتخب النواب رئيساً للبنان إما بالتوافق على مرشح وإما بالتنافس بين مرشحين يفوز منهم من ينال أكثرية الأصوات المطلوبة تطبيقاً للدستور وللنظام الديموقراطي؟
إن جلسة 18 نيسان الرئاسية هي الفرصة الاخيرة للمرشحين الأقوياء وللمقاطعين كي يعودوا عن مقاطعتهم سواء استجابة لصوت القمة الروحية المسيحية أو استجابة لأي صوت آخر، فيستخدم المرشح النائب سليمان فرنجية جرأته الزغرتاوية فينزل الى المجلس مع من يريد النزول معه لانتخابه او لانتخاب سواه، وإلا ضاعت الفرصة عليه وعلى عون كما قال هو في حديث له.
الواقع أن المرشح فرنجية يواجه خيارين:
أولاً: أن يقرر النزول الى مجلس النواب لتأمين نصاب الجلسة أياً يكن موقف حلفائه ولا سيما “حزب الله” والعماد عون حتى وإن اعتُبر في حال فوزه بالرئاسة انه رئيس طرف قادر على ان يرد بالمثل على وسائل من يتحرك ضده بوسائل ديموقراطية او غير ديموقراطية، وقادر ايضاً على أن يخرج من كونه رئيس طرف الى كونه رئيساً لكل الأطراف فيحقق مصالحة وطنية حقيقية شاملة.
ثانياً: أن ينزل الى مجلس النواب بموافقة ضمنية من “حزب الله” حتى وإن لم يحضر نواب الحزب الجلسة من قبيل التضامن الظاهري مع العماد عون، فتفقد عندئذ معارضة عون قوتها اذا قرر السير فيها ويصبح شبه وحيد في مواجهة العهد الجديد ولم يستجب لمساعي الحزب للقبول بالأمر الواقع، إنما استجاب لقول سابق له: “من يتركني أتركه”…
أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع فلم تعد له ولا للبنان مصلحة في استمرار الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف خدمة لأي خارج. لذلك فإنه قد يحاول التفاهم مع العماد عون على اتخاذ موقف انقاذي واحد موحد لا يشعر أحد في اتخاذه بأنه مغلوب لأن دقة المرحلة وخطورتها لا تتحمل ذلك ولا العودة بالبلاد الى الانقسامات الحادة بين اللبنانيين وقادتهم لا سياسياً ولا حزبياً ولا طائفياً. ولا يكفي أن يتم التوصل الى اتفاق على مرشح للرئاسة يفوز بالاجماع او بشبه اجماع، إنما الاتفاق أيضاً على أي لبنان نريد ويلتزمه الرئيس والحكومة، ذلك أن اي نظام للبنان وإن كان مثالياً يبقى غير ثابت ودائم أذا لم يحظ بموافقة الجميع عملاً بمقولة: “اتفاق اللبنانيين على الشر أفضل من خلافهم على الخير”.
لقد عاد الكلام على “الفيديريرالية” وعلى غيرها من الانظمة التي قد تكون أكثر ملاءمة لتركيبة لبنان الدقيقة (رئاسية ومجلسية وشمولية وأكثرية عددية وتوافقية)، لكن كل نظام لن يبقى ثابتاً ودائماً إلا بموافقة كل المكونات في لبنان. وأهم ما في أي نظام هو أن يحقق التفاهم على السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة الدفاعية لأنها هي التي تثير الخلاف عند تطبيق اي نظام بما في ذلك “الفيديرالية”، وهذه السياسات تبقى من مسؤولية السلطة المركزية وليس من مسؤولية السلطة اللامركزية، وكثيراً ما تتأثر السياسة الخارجية في لبنان بالسياسة الداخلية والعكس صحيح.
لذلك فلا شيء يحصن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد في ظل اي نظام سوى تحييد لبنان عن صراعات المحاور القريبة والبعيدة، وهو ما جعل الرئيس ميشال سليمان يكرر القول: “إن اعلان بعبدا ليس ظرفياً، ومن يراه اليوم انه غير مهم ولا قيمة ميثاقية له سيجد فيه قيمة كبيرة مضافة للبنان”. حتى ان نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف قال عندما زار لبنان: “إن اعلان بعبدا يصلح تعميمه على دول الشرق الأوسط”. وقبله قال السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين: “إن اعلان بعبدا ينبغي ان يلتزمه كل الاطراف لكي يسهل تطبيقه”. وهذا معناه وجوب التزام كل الاطراف تنفيذه وإلا بقي حبراً على ورق رغم اجماع اقطاب الحوار عليه.
والسؤال المطروح هو: هل اقترب موعد تأكيد كل الاطراف الاتفاق على “اعلان بعبدا” فيكون برنامج الرئيس العتيد مع الحكومة كونه يشكل شبكة أمن وأمان لكل نظام يتم الاتفاق على اعتماده للبنان لان اي نظام لا يحميه الحياد الايجابي يبقى نظاماً هشاً لا يحقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي ولا يرسخ العيش المشترك والسلم الأهلي؟