في انتظار انعقاد الجلسة الرئاسية المقبلة، لا تبدو في الأفق أيّ مؤشرات على حصول متغيرات تسمح بالقول إنه سيكون للبنان رئيس جديد في وقت قريب.
فما حصل منذ ترشيح النائب سليمان فرنجية الى الآن لم يغيّر في المشهد الرئاسي، لا بل على العكس أدى الى مزيد من تعقيده، بحيث انتقل الى حالة سبات طويلة، بعد أن استوعب حزب الله ترشيح فرنجية، ورمى الملف في وجه خصومه تاركاً اياهم يتنازعون على مرشحَين حليفَين له، واضعاً إياهم في زاوية أرادوا أن يضعوه فيها.
وتقول المعطيات إنّ هذا الركود الرئاسي مرشح لأن يطول بسبب عوامل ترتبط بتطوّر الاوضاع في المنطقة وسوريا أبرزها:
اولاً: لا يوحي المشهد السوري بكثير من الانفراج، وذلك على رغم المبادرة الاميركيةـ الروسية المشتركة التي تطمح الى ترتيب مرحلة انتقالية، تمهد للحلّ السلمي.
الواضح في هذا المسار أنه يواجه تعقيدات كبيرة أولها مصير الرئيس السوري بشار الاسد ودوره في العملية الانتقالية، وفي هذه المسألة برز تمايز إيراني ـ روسي تمّ التعبير عنه بإعلان ايران عن ارسال مزيد من القوات لتغيير الوقائع الميدانية لمصلحة الأسد، خصوصاً بعد تخفيض عدد القوات الروسية في سوريا، وهو ما يعطي انطباعاً بأنّ إيران ترفض أيّ تسوية على حساب الأسد وتصرّ على أن تكون له الأرجحية في أيّ مرحلة انتقالية، وهو ما يعني لبنانياً استمرار احتجاز الانتخابات الرئاسية، في انتظار تحقيق مكاسب ميدانية في سوريا.
ثانياً: في الترجمة اللبنانية للواقع السوري، يمكن الكلام عن فراغ طويل، سببه هذا التعطيل، الذي يستعمله حزب الله ورقة للمقايضة في وقت لا يمتلك خصوم الحزب، ولا حلفاؤه الراغبون في اجراء الاستحقاق أيّ ورقة ضغط أو قوة قادرة على عقد جلسة الانتخاب، فلا الرئيس نبيه بري حليف الحزب قادر على تأمين النصاب، ولا الحليف الآخر النائب سليمان فرنجية جاهز لكي يشارك في جلسة الانتخاب، ولا الرئيس سعد الحريري يمتلك القدرة على تأمين هذه الجلسة، اما النائب وليد جنبلاط فيبقى في موقع المتفرّجين من بعيد، والمكتفي بالتعبير عن مواقفه عبر «تويتر». جميع هؤلاء المهتمين بتحقيق نصاب الجلسة لن يتخطّوا حزب الله، الذي يدعم ترشيح العماد ميشال عون.
ثالثاً: لم تؤدِ زيارة الحريري لموسكو الى أيّ اختراق في الملف الرئاسي، والمعروف أنّ هذه الزيارة، هدفت بالدرجة الأولى الى طلب المساعدة الروسية في التأثير على الموقف الايراني، وتقول المعلومات إنّ الروس وعدوا الحريري بالتدخل لدى إيران، لكن من دون تسجيل حظوظ عالية لنجاح هذا التدخل، فالموقف الإيراني ما زال على حاله، وهو يحيل الملف الرئاسي الى حزب الله، الذي بدوره يدعم ترشيح عون.
في ظلّ امتناع مَن يمسك مفتاح الاستحقاق الرئاسي عن وضعه في القفل، وفي ظلّ استمرار المرشحين عون الذي يدعمه جعجع وفرنجية الذي يدعمه الحريري، يستمرّ الفراغ الرئاسي على وقع اهتراء الحكومة الحالية التي لا يمكنها الاستقالة، وتتعرّض في الوقت نفسه لاستنزاف داخل مكوّناتها جراء الاتهامات بالفساد، وتطوّر الوضع الاقتصادي والنقدي نحو مستويات مقلقة، كما جراء توقع تصاعد الاجراءات في حقّ حزب الله، عربياً ودولياً، وما سيرتبه ذلك من مسؤوليات على الحكومة المهتزة وغير القادرة على ملء الشغور الرئاسي، ولا على مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية البالغة الخطورة.