في الحلقة الثانية من «قدرات حزب الله العسكرية واستعدادات الجيش الاسرائيلي لمواجهتها»، التي نشرها موقع «واللا» العبري، استكمال لعرض تسلح الحزب وعقيدته القتالية، مع تركيز خاص على استعدادات اسرائيل لسيناريوهات الحرب المقبلة
في استعراض الاسباب التي قد تؤدي باسرائيل وحزب الله الى حرب ومواجهة عسكرية واسعة، ينقل مراسل موقع «واللا» للشؤون العسكرية، امير بوخبوط، عن مصدر رفيع في قيادة المنطقة الشمالية، قوله ان الفترة الاخيرة شهدت ما كان يمكن ان يجرّ الطرفين الى قتال واسع، وهو اغتيال نجل المسؤول العسكري السابق لحزب الله، جهاد عماد مغنية، ما جرّ رداً من الحزب في مزارع شبعا ادى الى مقتل ضابط وجندي من لواء غفعاتي، و«حدث كهذا مع ردّ وردّ مضاد، ورغم انه يهدف الى تعزيز الردع لا اكثر، الا انه يمكن ان يتطور الى مواجهة وحرب بين الجانبين». وبحسب المصدر نفسه: «علينا الحذر وعدم الاستخفاف بقدرات حزب الله الاستراتيجية».
ويلفت التقرير الى انه من جملة اسباب الحرب غير المقصودة، ما اسماه تغيّر انتشار حزب الله على الحافة الامامية بالقرب من الحدود مع اسرائيل. اذ ان مقاتلي الحزب ممن غادروا المواقع الامامية في اعقاب حرب 2006، عادوا اليها بأعداد كبيرة جداً. ووفقا لتقرير جرى تداوله بين وحدات الجيش الاسرائيلي، فان عناصر الحزب موجودون على الحدود بلباس مدني او يرتدون اللباس العسكري للجيش اللبناني ويعملون على رصد تحركات الجيش الاسرائيلي. وبحسب منشورات اجنبية فان «عناصر حزب الله يتجوّلون علنا حاملين سلاحهم في القرى رغم دوريات القوة الدولية – اليونيفيل، التي تشهد علاقتها مع الحزب توترا دائما». ويشير مصدر عسكري اسرائيلي الى ان «شيئا لا يتحرك في جنوب لبنان، وتحديدا في المنطقة الحدودية مع اسرائيل، من دون علم حزب الله».
ايضاً، في عرض اسباب الحرب غير المقصودة، يضيف بوخبوط ما اسماه تداعيات قراءة حزب الله لتصرفات اسرائيل وردود فعلها بهدف احتواء العمليات التي ينفذها. اذ يرى الحزب ضعف اسرائيل في «اختيارها» عدم الرد على عملية بورغاس في بلغاريا، رغم انه كان واضحاً لديها بأنه هو من نفّذ الهجوم الذي خلّف ستة قتلى اسرائيليين.
ويشير التقرير الى ان مضمون المقابلات التي اجريت مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تدفع الجيش الاسرائيلي للاستعداد للحرب، فـ «في آب 2014، اكد نصر الله ان تحليل عملية الجرف الصامد (العدوان الاخير على قطاع غزة)، اظهر ان العدو لا يصمد في حرب استنزاف». وفي مقابلة اخرى تطرق الى النجاحات العملياتية لعناصره في مدينة القصير وبلدات القلمون السورية، و«يمكن التقدير بأن انجازاته العملياتية في الاراضي السورية تزيد من شهيته وتعزز ثقته بنفسه».
نتيجة لذلك، يضيف التقرير، يتدرب الجيش الاسرائيلي لحرب في مواجهة حزب الله، بل يستعد لمواجهة سيناريو انتشار قوات نخبة من حزب الله تتراوح بين 100 و200 مقاتل، تتسلل الى المستوطنات القريبة من الحدود وتحتلها لفترات زمنية قصيرة. وأوضحت جهة أمنية بارزة لـ «واللا» أن «حزب الله غيّر عقيدته القتالية، وبات يفكر بأسلوب هجومي». اما لجهة الانفاق، فتشير مصادر في فرقة الجليل (الفرقة 91) الى ان تسلل اي مقاتل من الحزب باتجاه المستوطنات يستغرق دقيقة واحدة، اي لا حاجة للانفاق الهجومية. وبحسب المصادر نفسها «توجد مستوطنات اقرب من ذلك، وعلى بعد بصقة»!
كيف سيعمل الجيش في الحرب؟
لا يوجد لدى الجيش الاسرائيلي رأي موحد ازاء الحرب المقبلة مع حزب الله، و«على رئيس الاركان غادي ايزنكوت ان يحسم في قضايا كثيرة، وما إذا كانت المواجهة حربا او مجرد معركة عنيفة، وعليه ان يحسم ما اذا كان يجب السماح لحزب الله بالهجوم ومن ثم الانقضاض عليه، ام سيعمد الى المبادرة والهجوم كي يكون صاحب الضربة الاولى». الا ان «الحقيقة غير القابلة للجدل في اسرائيل، انه اذا كان القتال في غزة استغرق خمسين يوماً، فسيستغرق مع حزب الله اشهرا طويلة».
التقدير الاسرائيلي
ان أي حرب برية ستكون احدى اقسى الحروب واكثرها تعقيدا
وفي ما يرتبط بالحرب المقبلة مع حزب الله، تأتي في المقدمة منظومة القبة الحديدية، وما اذا كانت قادرة بالفعل على تأمين المنحى الدفاعي المطلوب؟ يجيب التقرير انه في عملية الجرف الصامد مقابل قطاع غزة، نشرت اسرائيل تسع بطاريات من المنظومة، ورغم ذلك سقط اكثر من مئة صاروخ في مناطق مبنية من اصل 2500 اطلقت في اتجاه اسرائيل. لكن في الحرب ضد حزب الله، وفقا لمسؤولين في المؤسسة الامنية، ستخصص هذه المنظومة فقط لحماية قواعد الجيش، مع التشديد على قواعد سلاح الجو والمنشآت الحساسة، مثل منشآت خليج حيفا ومطار بن غوريون والكهرباء والمياه، ما يعني ان «على مشغلي بطاريات القبة الحديدية ان يتخذوا قرارات صعبة، والسماح لصواريخ بالسقوط في مناطق مبنية».
هجوم من الجو؟
خيار الهجوم الجوي، هو الاكثر أمانا من ناحية اسرائيل. لكن في مواجهة حزب الله، ستكون لهذا الخيار اثمان.
خلال عملية «الجرف الصامد»، القت الطائرات الحربية الاسرائيلية، على مدى خمسين يوما من القتال، 7250 صاروخا على قطاع غزة، وفي عملية «عمود السحاب» التي سبقتها، هاجمت الطائرات خلال ثمانية ايام 1350 هدفا، وفي «الرصاص المسكوب» 1789 هدفا في 22 يوماً. لكن في حرب لبنان الثانية، اي خلال 33 يوماً، هاجمت الطائرات 3200 هد. اما في حرب لبنان الثالثة، فان الاهداف ستكون اكثر مما شهدته الحروب الماضية.
من جهة سلاح الجو، فقد استعد طياروه جيدا لتنفيذ مستوى اعلى من الهجمات، كمّاً وعدداً، بل ولديه القدرة الفعلية على العمل بوتيرة قياسية وأكثر كثافة ضد اهداف تابعة لحزب الله، «لكن هجوما كهذا سيجبي من اسرائيل ثمنا، اذ ان طائرات حربية ستسقط، وطيارون اسرى سيسقطون في ايدي حزب الله».
مع ذلك، بإمكان سلاح الجو ان يكون اكثر فتكا مما كان عليه في قطاع غزة. اذ ان المعلومات الاستخبارات المجمعة عن حزب الله اكثر نوعية عما لديه من معلومات عن حركة حماس في قطاع غزة. و«في سلاح الجو، تحديدا، هناك وجهة نظر سائدة ترى بضرورة الاكتفاء بمعركة تدار من الجو ضد الحزب، الامر الذي يجنب اسرائيل الدخول البري ويمنع تورطها في الارض اللبنانية وسقوط اعداد كبيرة جدا من القتلى، مع اطالة مدة الحرب».
هجوم بري؟
وحاور موقع «واللا» مدير التخطيط في مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب، العقيد احتياط غابي سيبوني، الذي أكد على ضرورة الاسراع بالدخول البري الى لبنان بلا ابطاء، اذ لا ضرورة لانتظار تدرج التصعيد في مواجهة حزب الله، و«على الجيش ان يستخدم كل قدراته بدءا من اللحظة الاولى».
علينا عدم الاستخفاف بقدرات حزب الله الاستراتيجية (هيثم الموسوي)
واستفسر الموقع من سيبوني عن حالات مع حزب الله قد لا تتعلق بحرب، بل بمجرد جولة قتال عنيفة، فأجاب ان «الجيش غير ملزم بما يراه الطرف الثاني. بل باتخاذ قرار نحو التصعيد من عدمه، وفي حال تقرر ذلك، علينا ان نستخدم العقيدة العسكرية الكلاسيكية، وضرب العدو واضعافه في أسرع وقت ممكن». وأوضح ان «الدخول البري سيكون سريعاً وعنيفاً، ومن بعده تأتي مهمة تطهير المنطقة المحتلة». وبحسب ما يرى، فان الجيش «سيضطر الى الوصول الى اقصى الطرف الشمالي من جنوب لبنان، والانقضاض على حزب الله وتغيير قواعد اللعبة، بل سنضطر الى ضرب اهداف نوعية لحزب الله حتى بثمن تواجد مدنيين»، كما يؤكد سيبوني على ضرورة دمج المعركة الجوية والمعركة البرية، بهدف التوصل الى انجازات كبيرة لتسريع المفاوضات السياسية لوقف اطلاق النار، بشروط تحددها اسرائيل. وحذر سيبوني من إمكان تسلل حزب الله الى داخل المستوطنات واحتلال احداها، الامر الذي يعد انجازا كبيرا جدا للعدو، فـ «يمكننا احتلال بنت جبيل ثماني مرات من دون أن يؤثر ذلك على حزب الله، لكن في حال احتل هو مستوطنة حانيتا مرة واحدة، فسنبقى نتحدث عن ذلك مئة سنة الى الامام».
الا ان الموقع العبري لفت الى انه، وفقاً لما هو سائد لدى المؤسسة العسكرية، فان حربا كهذه (برية) ستكون احدى اقسى الحروب واكثرها تعقيدا، وتؤكد مصادر رفيعة في الجيش، ان الدخول البري سيكون شائكاً وكثير العوائق، اضافة الى مواجهة العبوات المزروعة على المحاور الرئيسية، ومواجهة الحرفية القتالية لعناصر حزب الله، التي تتميز بتشكيلات تحت الارض وبنى تحتية سرية للقيادة والسيطرة والتحكم، مع حجم كبير جدا للقواعد العسكرية في المناطق المختلفة.
ولدى سؤال سيبوني عن القانون والشرعية الدولية وتأثير ذلك على العمل داخل المناطق المبنية المكتظة بالسكان، اكد ان هناك ميلاً للانشغال في هذا العالم و«تلويث النقاشات»، وطالب بضرورة ان يبادر الجيش للهجوم وان لا ينتظر اعتبارات الشرعية الدولية، لانها شرعية قابلة للمراوغة، وهي ستحل لاحقا.
وإحدى المشاكل التي ستعترض الجيش الاسرائيلي في الخيار البري، هي الصواريخ التي ستتساقط وتتسبب بخسائر اثناء تجنيد القوات التي سيوكل اليها تنفيذ المناورة البرية في عمق اراضي العدو، فـ «بطاريات القبة الحديدية لن تعترض كل الصواريخ، وسيكون على شعبة اللوجستيك العمل بوتيرة واسلوب لا سابق له».
سلاح البحرية الاسرائيلي
يؤكد التقرير بأن البحرية الاسرائيلية تدربت في السنوات الاخيرة على دمج مهامها مع القوات البرية والجوية، و«منظومات سلاح البحر باتت اكثر دقة، وستوكل اليها مهام دفاعية خلال الحرب لتأمين مسارات ابحار السفن وحماية المنشآت الاستراتيجية في عرض البحر، اضافة الى مهاجمة اهداف لحزب الله بأسلوب غير متوقع من قبل الحزب». الا ان التقرير يركز، في مقابل هذه الجهوزية، على فاعلية الصواريخ الممكن ان تطلق باتجاه القطع البحرية، سواء باتجاه القواعد العسكرية او في عرض البحر، وتحديدا صاروخ «ياخونت» الروسي الصنع، الموجود في سوريا وربما ايضا في حوزة حزب الله في لبنان.
وكدلالة على جهوزية سلاح البحرية الاسرائيلي، يشير التقرير الى ان قائد السلاح، اللواء رام روتبرغ، نفذ سلسلة من المناورات لتحديد المدة الزمنية اللازمة لاخراج القطع البحرية من قواعدها الى عرض البحر، كي يتجنب ما اسماه هجوم «بيرل هاربر» صاروخي ينفذه حزب الله، في اتجاه القواعد البحرية الاسرائيلية.