لا يوحي ابن الـ20 عاماً بما ارتكبت يداه في أسابيعٍ قليلة قضاها مع تنظيم «داعش». جسدٌ نحيل لشابٍ يبدو عليه الإرباك بشكلٍ دائم إلى حدّ عدم قدرته على توقيف حركة يديه وأصابعه التي يشبكها ببعضها البعض طوال الوقت.
ومع ذلك، فإنّ لعبد القادر المجاور تجارب في القتال الذي بدأه في سوريا إلى جانب «صقور الفتح» التابعة لـ«الجيش السوري الحر» بقيادة أبو عبدو غنّوم، إذ تنقّل بين قارة ويبرود ومزارع ريما، قبل أن تنسحب المجموعة وتتمركز مع غيرها من الفصائل المسلّحة التابعة لـ «الحر» في مرطبيا وتقوم بصدّ هجوم «جبهة النصرة» التي كانت تتمركز بين الزمراني وجرود عسّال الورد وأيضا هجوم «داعش» المتمركز بين الزمراني ووادي عجرم.
بقي الوضع على هذا الحال حّتى 2 آب 2014 حينما تمّ إلقاء القبض على قائد «لواء فجر الإسلام» عماد جمعة. وبعد أن قام مقاتلو «داعش» بهجوم مفاجئ على حواجز الجيش اللبنانيّ في عرسال، طلب قياديوه من الفصائل التّابعة لـ «الحرّ» القتال معهم ضدّ الجيش اللبنانيّ.
رضخ أبو عبدو غنّوم للضغوط، وأرسل المجموعة إلى منطقة المزابل المطلّة على وادي الحصن، لتشكل مجموعة مؤازرة خلفيّة لـ «النصرة» التي هاجم مقاتلوها مراكز الجيش في وادي الحصن.
انتهت معركة عرسال، لتبدأ «داعش» معركتها الثانية التي أولتها أهميّة مطلقة: «إنشاء دولة اسلامية في لبنان» والقضاء على «الحر» و «النصرة». لهذا الهدف، أرسل أبو بكر البغدادي إلى القلمون ثلاثة «أمراء شرعيين مهاجرين» هم: «أبو بلقيس» و «أبو الوليد المقدسي» و«أبو الزبير»، لتتمّ إقالة أمير «داعش» في القلمون «أبو عبد السّلام» وسجنه.
وما إن بدأ قياديو «داعش» ببسط سيطرتهم على المنطقة، حتّى بدأت سلسلة الانشقاقات. فانشقّ غياث جمعة عن لواء «وأعدوا»، وقائد «لواء القصير» أبو عرب، وقائد كتيبة «الفاروق» وبايعوا مع مجموعاتهم «داعش» الذي صار يشكّل أكبر قوّة في القلمون.
وحدهما قائد «مغاوير القصير» عرابة ادريس وأبو عبدو غنّوم رفضا المبايعة ليتمّ تهديدهما بالذبح، ففرّ غنّوم تاركاً خلفه مجموعته التي قام غالبيّة عناصرها (حوالي الـ15) بمبايعة الأمير الشرعي لـ «داعش» أبو الوليد المقدسي مع إبقائهم في مراكزهم في مرطبيا.
بعد خمسة أيّام، أُرسل بطلبهم إلى وادي عجرم، حيث اجتمعوا بالقياديّ «أبو دجانة الطّرابلسي» الذي قابلهم كلّ واحد على حدة، طالباً منهم التوجّه إلى المحكمة حيث التقوا بالشيخ نبيل الذي طلب منهم العودة إلى مراكزهم بعد أن تأكّد من ولائهم للتنظيم.
وبعد أسبوع، حضر «أبو الوليد» إلى مرطبيا وكلّف المجموعة بحزم أمتعتهم وفرزهم إلى المقار، ليتم فرز عبد القادر المجاور مع ستّة آخرين إلى ميرا، حيث يوجد ثلاثة فصائل: «فصيل بكر» المسؤول عنه «أبو رواحة»، و «فصيل علي» المسؤول عنه الحومي، و «فصيل أبو السوس» بقيادته، فيما جمعة الملقّب بـ «أبو الوليد» هو الأمير والمسؤول عن الفصائل الثلاثة.
وبعد أن فُرز المجاور إلى «فصيل بكر» بدأ يتلقّى تدريبات عسكريّة وشرعيّة، بالإضافة إلى مشاركته في حراسة المقرّ والكمائن في مناطق نائية مطلّة على القاع، ومحاولات للتسلّل على مواقع للجيش باءت بالفشل.
وفي يوم كان فيه المقصود في عرسال، أرسل في طلبه على وجه السرعة فعاد إلى مركزه، حيث استلم سلاحه وذخائر ومماشط. وفي مساء اليوم الثاني، حضر جمعة ومعه أكثر من 80 مقاتلا موزّعين على أربع سيارات «بيك اب». ولّما وصل إلى المركز اختار ستّة عناصر هم: المقصود وعمر الفاروق و «أبو دجانة» و «أبو رقية» و«أبو وائل» و «أبو خالد»، ثمّ توجّهوا إلى منطقة تسمّى «النقطة الرابعة».
هناك بدأوا بتجميع أنفسهم وساروا في الجبل حوالي الساعتين إلى أن وصلوا إلى تلّة الحمرا حيث فيها مركز للجيش اللبنانيّ. وأعلمهم «أبو الوليد» أنّه يريد السيطرة على التلّة وأسر العسكريين.
وبعد أن فرز المجموعات، ذهب جمعة مع 20 عنصرا في مهمّة استطلاع لمركز الجيش. ومع بزوغ الفجر، بدأت الاشتباكات بشكل عنيف جدّاً، لتنتهي بسيطرة «داعش» على التلّة.
حينها، عاد الهدوء إلى التلّة، وبدأ مقاتلو «داعش» بالاقتراب من مركز الجيش حيث شاهدوا جثث خمسة قتلى من «داعش» و3 شهداء للجيش، ليأمر جمعة بدفن الجثث الخمسة وترك جثث شهداء الجيش في مكانها.
حينها، تشجّع جمعة الذي أراد اقتحام المركز، فقسّم المقاتلين إلى مجموعتين: مجموعة هجوم وأخرى خلفية للدعم. ولكنّ حصل عكس ما كان يشتهي، إذ قام العناصر بهجوم مضاد وبدأ القصف العنيف ليستعيد الجيش سيطرته على التلّة وقتل عدد من المقاتلين أبرزهم جمعة وأبو رواحة.
ولمّا شعر المقاتلون برجحان كفّة الجيش، أمر «أبو بلقيس» بانسحاب المقاتلين بأربع سيارات «بيك اب» أتوا فيها من دون أن يكون بمقدورهم سحب سوى جثة واحدة تعود إلى عبد الله الأهوازي الذي تمّ دفنه فور عودتهم إلى الجرود.
وبالتالي، لم يتمكّن «داعش» من تحقيق أهدافه في السيطرة على التلّة أو أسر جنود، وإنّما وقع له 7 قتلى ترك منهم 6 في أرض المعركة كانت بحوزتهم كاميرات «ديجيتال» وأجهزة تنصّت لاسلكيّة وأجهزة تحديد مواقع، بالإضافة إلى عدد من المضبوطات.
في حين، سقط للجيش 6 شهداء هم: الملازم اول أحمد طبيخ والرقيب أوّل محمّد ناصر الدين، والجنديين بلال أحمد وأحمد الدني المجندين محمّد علاء الدين وحسن ديب.
وبعد أيّام قليلة من هذا الهجوم، طلب المقصود إجازة للتوجّه إلى عرسال حينما تمّ إلقاء القبض عليه ليروي في إفادته الأوليّة اشتراكه في العمليّة الفاشلة في تلّة الحمرا.