IMLebanon

الكابوس

 

نحن، المخضرمين، لم نعرف أوضاعاً أشد سوءاً من هذه المرحلة التي نعيشها! حتى أيام الحرب كانت أخف وطأةً بالرغم مما تخللها من ظلمٍ وقهر، ومشيئة الميليشيات، والقصف العشوائي، والخطف على الهوية، والملجأ (…).

 

لماذا؟

 

الجواب في غاية البساطة: لأن الأمل بغدٍ أفضل لم يكن مفقوداً. لأننا، نحن ذلك الجيل من الشباب، كنا نتمسّك بالوطن ونعتبر الحرب بمثابة المعبر إلى الفجر الذي ينبلج من الملجأ، لأننا كنا نؤمن بقيامة لبنان. لأن أكثر الكوابيس سوداويةً لم يكن ليقنعنا بأن ذلك اللبنان الذي كان سيذهب، ليس مع الريح، إنما مع أجيالٍ هجينة ستقضي على كل ما فيه من روعةٍ وجمال، وثقافة، وفرادة، وريادة، وطموح (…).

 

وإذا بنا نفتقد تلك كلها. فقد استيقظنا على واقعنا لنكتشف أننا في لبنانَ آخر تماماً. أما لبنان ذاك، فلم يبقَ منه (أو يُبقوا منه) إلا الاسم. وأما قِيَمه كلها، ومقوماته كلها، فقد ذهبت إلى جيوبٍ يجهل أصحابُها فلسفة هذا الوطن، وعلّة وجوده، ونواحي الجمال الطبيعية والإنسانية فيه.

 

دمّروا ما لم تدمّره القذائف. وقضوا على ما لم تقضِ عليه حواجز العار والخطف على الهوية. وأسقطوا ما لم يُسقطْهُ الحديد والنار.

 

لبنان، قبل الحرب وخلالها، كان يُزوّد سوريا التيار الكهربائي. ولبنان ما قبل الحرب كان (كما يعرف الجميع ويردد) مطبعة المنطقة، ودار نشرها، وصحيفتها، ومدرستها، وجامعتها، ودائرة معارفها، ومنتجعها، والمُسهم بفعالية في بناء نهضتها، ورسول السلام في صراعاتها، وحامل قضاياها إلى المحافل الدولية، والناطق باسمها من على منبر الأمم المتحدة، وصلة الوصل الإيجابية بينها وبين الغرب.

 

فماذا بقي من ذاك اللبنان في لبنان اليوم الغارق في العتمة، العاجز عن توفير أدنى مستلزمات العيش الكريم لشعبه، الذي يوزّع إعاشةً على الناس قيمتها أربعماية ألف ليرة، أي نحو 40 دولاراً؟!. علماً أن دخل الفرد اللبناني كان الأعلى في المنطقة، بما فيها دولها المنتجة للبترول!

 

فهل من كابوس أشد سواداً وأكثر رعباً؟!.