منذ أشهر طويلة ونسمع ان رئيس الحكومة تمام سلام يهدد بالاستقالة، تارة احتجاجا على تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وطوراً احتجاجاً على عرقلة حلول القضايا الحياتية للناس كخطة النفايات الاخيرة. تعددت الاسباب وتهديدات سلام بالاستقالة ما توقفت منذ حوالى عام.
طبعا يعرف سلام ان الحكومة التي يرئسها ليست حكومة بالمعنى الحقيقي للحكومات. فلا هي تجتمع دوريا، وعندما تجتمع لا يكون ذلك وفقا لقواعد ادارة الجلسات التقليدية. والمشاركون في الحكومة تارة هم اعضاء اصيلون فيها، وطورا هم مشاكسون، ويذهب بعضهم من الممثلين فيها الى حد المعارضة والتعطيل وقذف الحكومة بأشنع الاوصاف. اما بعضهم الثالث فلا يترك سلام وحده يهدد بالاستقالة وتطيير الحكومة بل يلوح صبحاً ومساءً بالاستقالة ايضا.
يعرف سلام ان الحكومة التي يرئس لم تأت لحل ازمات لبنان، و لا لادارتها، بل لمواكبة الأزمات وفقا لتفاهمات “التهدئة ” التي شكلت قاسما مشتركا بين القوى المتصارعة داخليا على خلفية الصراع الاقليمي الاكبر. لم تأتِ الحكومة ترجمة لحل او تسوية حقيقية، بل نتيجة لخوف الجميع من اخطار الانزلاق على منحدر الاشتباك الطائفي المذهبي المتصل بالاشتباك، لا بل بالحرب المشتعلة في الاقليم وأحد تجلياتها صدام مذهبي حقيقي ممتد من اليمن الى العراق وصولا الى سوريا فلبنان نفسه. ويعرف ان الحكومة ما كان منتظرا منها ان تجترح العجائب، بل أن تعكس حداً أدنى من التفاهم على “تهدئة ” تبعد شبح الانفجار الداخلي، وفي الوقت عينه تركز قليلا على القضايا الحياتية والمعيشية للبنانيين المكتوين بالازمة الاقتصادية والمعيشية. ويعرف ايضا وايضا ان الصفات الاهم التي يملكها وقد اختير بموجبها رئيسا للحكومة هي الهدوء، والاتزان، والعقلنة والواقعية، فلا يتنطح لأدوار أكبر من المتاح، ويذهب الى الآخر في دور الاطفائي مهما صار. فرئاسة الحكومة التي يحلم بها كل سياسي من الطائفة السنية هي اليوم من الناحية العملية لقب لا اكثر.
ان تمام سلام هو حامل لقب، واي شخصية اخرى ما كانت لتتجاوز هذا الواقع. فلا دولة في لبنان تبسط سيادتها على الأرض، ولا مؤسسات، ولا مرجعية قانون، ولا حتى محاسبة جدية رغم الشارع الغاضب والذي يوشك حراكه الاخير ان يعود الى الهامشية.
لبنان في مرحلة الصراعات الكبرى، وفي انتظار التسويات التي تطبخ في عواصم القرار بلد معلق والتسوية الكبرى فيه مؤجلة الى ما بعد انتهاء الحرب في سوريا اما بتسوية سياسية او بانتصار هذا الطرف او الآخر. وهذا ما يعرفه تمام سلام اكثر منا، وقد لمس ذلك في نيويورك في أيلول الفائت.
إن استقال سلام ام لم يستقل فالنتيجة واحدة، فهو في أحسن الأحوال رئيس “لا حكومة” ولن يتغير شيء تحت الشمس او تحت المطر، ويا للاسف.