Site icon IMLebanon

الاتفاق النووي قريب وبعده الحل اللبناني

 

 

إنتهت القمة العربية التي عقدت في السعودية، وانصرفت الدول المشاركة الى تقييم المسار الذي واكب انعقادها، وخصوصاً الى تفسير الاشارات والرسائل التي وجهتها السعودية عبر القمة. وابرز هذه الرسائل على الاطلاق، كانت دعوة الرئيس الاوكراني زيلنسكي خصوصا انها جاءت من خارج السياق المعتاد. أضف الى ذلك إحاطة الدعوة بسرية تامة جرى تبريرها لاحقاً بأنها لأسباب امنية. وأدّت مشاركة زيلنسكي الى «سرقة» الاضواء من سوريا العائدة الى القمة بعد غربة دامت سنوات طويلة، ووفق التركيبة الحاكمة نفسها التي كانت قائمة قبل الحرب.

كان واضحاً بأنّ احد اهداف دعوة زيلنسكي اشاحة النظر عن هذه الصورة والتي تعني فشل اهداف الحرب في سوريا. وفي تأكيد اضافي على ذلك، كان انسحاب امير قطر من المؤتمر قبل كلمة الرئيس السوري وهذا الانسحاب ما كان ليحصل لولا وجود موافقة سعودية ضمنية عليه، خصوصا انّ العلاقات السعودية – القطرية هي في مرحلتها الذهبية حالياً. وارادت السعودية ايضا توجيه رسالتين اضافيتين. الاولى ايجابية باتجاه واشنطن التي كانت قد أُحيطت مسبقاً بالزيارة عبر مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليغان لدى زيارته الرياض منذ حوالى الاسبوعين.

 

والثانية سياسية الى من يعنيهم الامر ولا سيما الادارة الاميركية بالدور الاقليمي والدولي الجديد الذي تريد السعودية ان تلعبه. والمقصود هنا التسليم بالزعامة السعودية للعالمين العربي والاسلامي السني، وهو ما لَمسه سوليغان في لقائه ومع ولي العهد السعودي. وبَدا انّ الادارة الاميركية التي تعيد رسم استراتيجيتها للخارطة السياسية الجديدة في الشرق الاوسط باتت قريبة جداً من التفاهم حول الدور السعودي الجديد.

 

وفي هذا السياق، جاءت اشارة التعاطي مع الملف السوداني لافتة، حيث أُعلن عن هدنة جديدة لسبعة ايام تلبية لطلب اميركي – سعودي مشترك، وهو ما يعكس ضمناً تسليماً اميركياً بدور السعودية كمرجعية اساسية في المنطقة.

 

وتبدو هذه النقطة هي الاساس في مقاربة المرحلة المقبلة، ذلك ان اعادة تنظيم العلاقة الاميركية – السعودية وفق معايير جديدة، يؤشّر الى انخراط سعودي أفعل في ملفات المنطقة في المرحلة المقبلة. وبذلك تصبح الترجمة السياسية لاتفاق بكين اعادة رسم مناطق النفوذ من خلال استبدال الصراع العسكري الخشن بصراع سياسي ناعم، وإلا لكانت تمت دعوة الرئيس الايراني الى القمة على غرار زيلنسكي. وهذا ما يمكن قراءته في خلفيات قرارات مؤتمر القمة العربية لا سيما لناحية رفض التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية وايضا لناحية رفض اي حضور عسكري لأي تنظيمات او ميليشيات خارج اطار الشرعية، ولكن اتفاق بكين أنتج قبولاً سعودياً بإيران كلاعب اقليمي، واعتراف ضمني بشرعية حضورها الاقليمي. وهو ما يعني انّ اعادة ترتيب واشنطن لخارطة النفوذ السياسي تستوجب اتفاقاً مع ايران بموازاة الاتفاق مع السعودية، وهنا بيت القصيد. فثمة اشارات بليغة تصدر من واشنطن وطهران على السواء توحي بأننا على مشارف تفاهم اميركي – ايراني عنوانه الاتفاق النووي، فمنذ يومين نقل عن مرشد الثورة في ايران خلال لقائه مع مسؤولين في وزارة الخارجية بأنّ المرونة مطلوبة في حالات ضرورية لتخطّي العقبات الصعبة والصخرية لاستكمال الطريق. وأضاف بأنّ المصلحة هي بإبداء المرونة بعض الاحيان وهو ما لا يتعارض مع الحفاظ على الثوابت، وفسّر الكلام بأنه مقدمة لتنازلات قريبة.

 

وفي تزامنٍ واضح اكد قادة مجموعة الدول السبع بعد اجتماعهم في هيروشيما في اليابان على ضرورة الحل الديبلوماسي للملف النووي الايراني.

 

لكن الاشارة الاهم جاءت من واشنطن وتحديداً من مجلس الشيوخ الاميركي. فيوم الثلاثاء الماضي وبطلب من لجنة العلاقات الخارجية، حصلت إحاطة من قبل ادارة بايدن، حضرها مسؤولون من الصف الثاني لكنهم يعتبرون المسؤولين المباشرين عن الملف الايراني. وجرى الاشتراط من قبل هؤلاء بأن تكون جلسة الاحاطة بعيدة عن التداول الاعلامي والسياسي وحضَرها مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات الوطنية وايضا وكالة الاستخبارات التابعة للوزارة المال، كذلك حضرت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان. لكن اللافت كان تغيّب المبعوث الاميركي الخاص لمفاوضات النووي الايراني روبرت مالي بسبب وجوده في اجازة كما برّرت شيرمان، وهو ما لم يقنع اعضاء اللجنة، الذين بدوا أقرب للاعتقاد بوجود تطورات في الملف النووي دفعت بإدارة بايدن لمنع مالي من الحضور خشية إحراجه بالاسئلة ودفعه لتقديم اجوبة لا يرغب البيت الابيض بالاعلان عنها الآن، وتتعلق بالتقدّم الحاصل حول الملف النووي.

 

كذلك اعرب الاعضاء في اللجنة عن عدم رضاهم عن مسار جلسة الاحاطة والاجوبة التي سمعوها، والتي لم تكن واضحة. أغلب الظن انّ ادارة بايدن الديموقراطية شعرت بأن الحزب الجمهوري، والذي تربطه علاقات وثيقة بحكومة نتنياهو، اراد التأكد من صحة الكلام حول قرب التفاهم الاميركي – الايراني حول الملف النووي وان الالتزام بعدم التداول الاعلامي والسياسي بمضمون جلسة الاستجواب قد لا يكون كافياً ومضموناً. ذلك انّ الادارة الاميركية تخشى إجهاض اسرائيل لما يحصل في الكواليس وايضاً تحاشي الوقوع تحت ضغط الحملات السياسية الداخلية للجمهوريين.

 

وفي حال صحّت الترجيحات، فإن ولادة اتفاق اميركي – ايراني من خلال عنوان الاتفاق النووي لم يعد بعيداً، خصوصاً ان سلطنة عمان شهدت مفاوضات سرية بين وفدين اميركي وايراني خلال المرحلة الماضية طالت ملفات اقليمية الى جانب الملف النووي.

 

أضِف الى ذلك انّ الاعتراض السعودي الذي كان قائماً في السابق، تبدّد بعد اتفاق بكين وايضا الضمانة الاميركية للدور السعودي الجديد كمرجعية اقليمية كبرى.

 

وهو ما يعني استطرادا انّ ظروف فتح الملفين السوري واللبناني باتت على قاب قوسين من الاكتمال، والتي تقوم على اساس التوازن الداخلي ونسج معادلات مختلفة وليست بالضرورة متناقضة مع المراحل السابقة. لذلك أسرعَ الرئيس الايراني خلال زيارته التاريخية التي دمشق الى توقيع اتفاقات اقتصادية طابعها استراتيجي وتحفظ لإيران حضورها في المراحل اللاحقة. لكن الضعف الاقتصادي الذي أرهَق العواصم العربية التي بسطت عليها ايران نفوذها، دفعت خامنئي باتجاه مقاربات مختلفة تلقى معارضة بعض المتشددين في الحرس الثوري، ومن هنا يفهم كلام خامنئي حول ان المصلحة تقتضي ابداء المرونة بعض الاحيان ولا بد من التذكير بأنّ الضعف الاقتصادي هو الذي ادى الى انهيار جبروت الاتحاد السوفياتي عام 1990. والسعودية التي راكَمت مكاسب اقتصادية هائلة خصوصا خلال السنوات الاخيرة، تسعى لاستثمارها في السياسة. لذلك فهي تربط ما بين اعادة اعمار سوريا وتحقيق تقدّم في الملف السياسي. ومن الواضح انها ستعمل وفق مبدأ «الخطوة مقابل الخطوة». اضف الى ذلك وجود شكوك سعودية حيال الالتزامات التي قدّمتها دمشق في ملف «الكابتاغون»، وهو ما يفسّر عدم تحويل اي مساهمة مالية حتى الآن فهي سمعت من الاردن بأنّ عصابات التهريب هي منظمة جداً ولديها طائرات مسيرة ومعدات رؤية ليلية واسلحة ثقيلة.

 

والسعودية تدرك ايضا انّ لروسيا حضورا وازنا في سوريا، لذلك ستعزز تواصلها مع موسكو على اساس انها عامل استقرار وانّ غيابها يؤدي الى الفوضى.

 

اما لبنان فيصبح في هذه الحالة اكثر نضوجاً لتسوية ساسية شاملة سعودية – اميركية ستتولى ترجمتها قطر. والتغريدة التي كتبها السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني تختزن اشارات مهمة. فهو قال إنّ ايران كشفت من خلال تجربتها مع الاستكبار العالمي مَكرهُ في خداع الدول بالوعود الاقتصادية الزائفة مقابل التخلي عن قدراتها العسكرية وعند قيامها بذلك، يقوم باستهداف امنها من دون انجاز اي وعد اقتصادي او مالي. المراقبون قرأوا في خلفيات كلام السفير الايراني وجود طلبات تتعلق بسلاح «حزب الله» وتركيبته العسكرية في مقابل المساعدات الاقتصادية. وفي حال صَح التفسير فإن المطروح دور وثوب جديد لـ«حزب الله» في مقابل ضمانات. ومن هذه الزاوية يمكن قراءة رسالة «حزب الله» حول المناورة العسكرية أمس امام عدسات الاعلام، والخطاب المكتوب لهاشم صفي الدين. وهذا فسّر الى حد بعيد القطبة الاساسية في ملف الاستحقاق الرئاسي والدور الجاري تحضيره للبنان مستقبلاً. وهي المفاوضات التي ستتولاها باندفاع اكبر السعودية بمساعدة قطر التي تمتاز بعلاقة جيدة ايضا مع ايران، وتحت غطاء الاتفاق النووي القريب بين واشنطن وطهران.

 

من هذه الزاوية يجب قراءة الاستحقاق الرئاسي وهوية الرئيس الضامن للاتفاق بعد حصوله.