وصل الرئيس جوزيف بايدن الى السلطة بسلام، وسقط الرهان على الحرب الأهلية الأميركية وفقاً لأي من النسخ المتصوّرة. مسارعة الرئيس الأميركي على توقيع جملة من القرارات المتعلّقة بالمناخ ومنظّمة الصحة العالمية، وعبارات التقارب المتبادلة مع الحلفاء الأوروبيين لا ترقى لمستوى مؤشرات الانقلاب على إرث دونالد ترامب. الوقت لا يزال مبكراً لتلمّس المسارات التي ستعتمدها الإدارة الجديدة في سياساتها الخارجية، لا سيما في المسألة الإيرانية بأبعادها النووية والصاروخية أو أذرعها المنتشرة في أرض العرب. أما المسؤولون في لبنان الذين أوهمونا أنهم سينقضون على المرحلة المقبلة بعد فوز بايدن يبدو أنهم سيقفون طويلاً على خط الانطلاق.
تمارس إيران استعراضاً مرتجلاً للقوة، دبلوماسياً وعسكرياً، لا يمكن أن يُقرأ إلا من قبيل القلق لسبر أغوار القيّمين على الإدارة الجديدة، فيما تقارب شخصيات كثيرة من هذه الإدارة المسألة الإيرانية بما لا يُلزمها ولا يُحسب عليها. كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بما يشبه الإملاء، في مجلة «فورين أفيرز» أنّ بايدن، الذي تولّى منصبه يوم الأربعاء، يمكنه البدء بإزالة جميع العقوبات المفروضة منذ تولي ترامب منصبه والسعي إلى إعادة الدخول والالتزام بالاتّفاق النووي لعام 2015، دون تغيير شروطه المتفاوض عليها بشقّ الأنفس»، وتابع «بدورها، ستعكس إيران جميع التدابير العلاجية التي اتّخذتها في أعقاب انسحاب ترامب من الاتّفاق النووي» مضيفا «أنّ المبادرة تقع مباشرة على عاتق واشنطن».
ويقول بايدن «إنه إذا استأنفت طهران الامتثال الصارم لاتفاق 2015، فإنّ واشنطن ستنضم إليه مرة أخرى، لكننا سنستخدم ذلك كمنصّة مع حلفائنا وشركائنا، للحصول على اتفاق أطول وأقوى. ويتفق بذلك مع ما قاله أنتوني بلينكن وزير الخارجية وعدد من الديمقراطيين والمعارضين الجمهوريين للاتّفاق الإيراني، إنهم لا يريدون أن تتراجع الولايات المتّحدة عن العقوبات حتى يتم إجبار إيران على معالجة بنود أخرى لإسرائيل والجيران العرب والولايات المتّحدة، بما يشمل الصواريخ الباليستية الإيرانية والتّدخل الكبير والطويل الأمد في سوريا واليمن ولبنان والعراق. كلُّ هذا يعني أنً العودة إلى الصفقة الأصلية «هي الأرضية وليس السقف» لإدارة بايدن في إيران.
لكنّ الجانب المتّصل بالملف النووي والأكثر إثارة للاهتمام هو في اختيار الرئيس بايدن وليام بيرنز William Burns كأول دبلوماسي لرئاسة وكالة المخابرات المركزية، وجاك سوليفان Jake Sullivan كمستشار للأمن القومي، لما لهذا الاختيار من وقع على إيران وإسرائيل في نفس الوقت. وليم بيرنز هو من تابع أول محادثات سريّة مع المسؤولين الإيرانيين من خلال مكاتب السلطان قابوس والتي أدّت إلى الاتفاق النووي المؤقت لعام 2013، ولاحقاً الاتفاق الذي وقّع في العام 2015. في مذكراته، يصف بيرنز كيف حافظ مع سوليفان على سريّة تلك المحادثات التي تفهمها حلفاء واشنطن بانزعاج، كما سجّل بيرنز في مذكراته أنّ الإسرائيليين على الأرجح كانوا على علم بالمحادثات من خلال جهاز المخابرات الخاص بهم.
لقد شكّل الموساد مع وكالة المخابرات المركزية خلال ولاية ترامب شراكة وثيقة داخل إيران، أدّت إلى اغتيال العالم محسن فخري زادة المشرف على برنامج الأسلحة النووية وأبو محمد المصري المسؤول الثاني في تنظيم القاعدة، وسبق ذلك في العام 2018، نجاح الموساد في مداهمة مستودع سري يحتوي على ملفات حول برنامج الأسلحة النووية الإيراني، والذي كان سبباً في خروج الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي.
يدرك وليم بيرنز الذي سيتولى التفاوض الجديد مع طهران إنّ الهجمات الإلكترونية والتخريب الصناعي والاغتيالات قد تؤخر برنامج إيران، ولكنها لن تدفع النظام الإيراني للتخلص من الفيزياء النووية التي أتقنتها لبناء سلاحها. إنّ أي دبلوماسية أميركية تجاه إيران لا يمكنها أن تكون أكثر من نظام لإدارة واستثمار الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي ليس داخل إيران فحسب، بل ربما داخل سوريا ولبنان إذا اقتضى فشل دبلوماسية بيرنز ضرب أذرع طهران وصواريخها. ولن يكون لبايدن خيار أفضل من الحفاظ على القدرات الإستخباراتية لإسرائيل كاحتياط جاهز للتّدخل في حال فشل الدبلوماسية النووية.
أمام كلّ ذلك، لن يكون لبنان سوى أحد أوجه التعبير عن الدبلوماسية الأميركية وربما أحد ساحاتها، وقد يصبح من المهم أن نسأل شركاء طهران في لبنان عن تداعيات تجديد الدبلوماسية الأميركية مع إيران مع الحفاظ على الشراكة مع الموساد…
مدير المنتدى الإقليمي للإستشارات والدراسات