IMLebanon

خريف الاتفاق النووي يلفح لبنان

 

 

خلافاً للانطباعات الإيجابية التي سادت في الأسابيع الأخيرة، ليس في الأفق ما يوحي بأنّ إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً على وشك التوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي في هذه المرحلة. فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن ردَّ إيران على اقتراح الاتحاد الأوروبي ليس مناسباً لإبرام اتفاق قريباً.

كما أنّ مهندس الاتصالات من الجانب الأوروبي جوزف بوريل، الذي يتحرك منذ 18 شهراً على خط التسوية، رفع يديه استسلاماً وقال: وصلنا إلى طريق مسدود، ولم يعد لديّ شيء أقوم به.

لكن الإيرانيين، في المقابل، يستهجنون الكلام على تعثّر، ويقولون: نحن التزمنا تماماً ما اتفقنا عليه في المسوَّدة الأخيرة، ولا تغيير في مواقفنا. ونعتقد أن الأميركيين لا يريدون اتفاقاً.

إذاً، هناك أمرٌ دخل على الخط لتعطيل الاتفاق الذي كان على وشك أن يرى النور قبل أسابيع، خصوصاً أن الأطراف الثلاثة المعنيين بالمفاوضات يجدون مصلحتهم في إقراره الآن:
1 – الأوروبيون هم الأكثر استعجالاً لاتفاق يُعيد إيران إلى خارطة التبادلات السياسية والاقتصادية، ما يوفِّر لهم الحصول على مورد للنفط والغاز، يعوّضهم النقص الحاد الناتج عن الحصار الروسي.
2 – إدارة الرئيس جو بايدن متحمسة للتوصّل إلى اتفاق مع إيران. فمن ركائز السياسة الخارجية لهذه الإدارة ترتيب العلاقات مع طهران والانسحاب من أفغانستان وتقليص التورط في العراق وسوريا، من أجل التفرُّغ للمواجهة الأكبر مع روسيا والصين.
ويهمّ بايدن أن يتم توقيع الاتفاق قبل الانتخابات النصفية المقرّر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل، لأن ذلك يدعم حظوظ الحزب الديموقراطي. كما يهمّه تسهيل حصول الأوروبيين على مورد جديد للنفط والغاز، ما يحرّرهم من عقدة الضغط الروسية ويجعلهم أكثر شراسة ضدها في أوكرانيا.
3 – إيران أيضاً تبدو اليوم مستفيدة من الاتفاق ورفع الحصار المفروض عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، في عهد الرئيس دونالد ترامب، العام 2018، وإن كانت تعمل لتحسين الشروط حتى اللحظة الأخيرة.

فصحيح أن إيران واصلت تنمية قدراتها النووية طوال فترة الحصار، كما أكد مسؤولوها مراراً، وتمكنت من بيع صادراتها النفطية بطرق مختلفة، إلا أن الإفراج عن أرصدتها المالية يتيح لاقتصادها المُنهك أن يحقق قفزات هائلة يمكن تثميرها في تدعيم الحضور السياسي في الشرق الأوسط.

في عبارة أخرى، تريد طهران الاستفادة من حاجة أوروبا إلى تعويم الاتفاق النووي من أجل عودة التدفقات النفطية. وهي تجد الفرصة سانحة كي تحسِّن الشروط. لكن حدود المساومة الإيرانية هي عدم تعطيل الاتفاق.

إذاً، من المثير أن يتعثَّر الاتفاق النووي في هذا الشكل المفاجئ، فيما المعنيون به جميعاً يريدونه في هذا التوقيت. لكن هناك طرفاً واحداً يقاتل فعلاً للتعطيل هو إسرائيل، باعتبارها الأكثر تضرراً من تعويم الاتفاق. وعلى مدى أسابيع، نشط الإسرائيليون في اتجاه الولايات المتحدة وأوروبا، سعياً إلى منع إعلان التسوية في فيينا.

وكان لافتاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد صَوَّر التعثّر الحالي في فيينا وكأنه انتصار له، إذ قال: «لقد أوقفنا الإتفاق مع إيران. وحملتنا كانت ناجحة. ومع أن الأمر لم ينتهِ بعد، فالعلامات مشجعة».

ويعبّر الإسرائيليون عن القلق من تعويم الاتفاق بما يمنح إيران قدرات مالية هائلة وهوامش تحرُّك أوسع في الشرق الأوسط، ويترك لها المجال مفتوحاً لاستكمال بناء قدراتها النووية. لكن العامل الضاغط حالياً هو إحياء موقع إيران البالغ الأهمية على خريطة النفط والغاز.

فمن مصلحة إسرائيل أن يتعثر الاتفاق مع طهران، أو يتأخّر على الأقل حتى تبرم الاتفاقات اللازمة مع الأوروبيين المتعطشين للطاقة، في موسم الصقيع، خصوصاً أن صادرات الولايات المتحدة من الغاز إلى أوروبا عجزت عن تعويض كامل النقص الذي تسبب به الشحّ في أنبوب الغاز الروسي.

ومن مصلحة إسرائيل أن تستثمر الحاجة الأوروبية القصوى إلى الغاز لزيادة صادراتها إلى أوروبا وتدشين خطوط جديدة عبر المتوسط. وهي تريد إبقاء إيران في وضعية الحصار لتتفرَّد هي في تزويد أوروبا بالغاز من الشرق الأوسط، ومن دون منافس.
ولكن، هل يتمتع الإسرائيليون بهذا الحجم من الرصيد، ليقنعوا واشنطن والأوروبيين بعدم التوقيع في فيينا أو تأجيله على الأقل؟ وهل يملكون أوراقاً تخوّلهم الضغط لفرض هذا الخيار؟

الأرجح أنّ ما جرى حتى اليوم هو أن الولايات المتحدة قرَّرت مراعاة المصالح الإسرائيلية بتأجيل إبرام الاتفاق حالياً. وعلى الأقل، سيتم إمرار الانتخابات التشريعية في إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، واستجلاء ما ستقود إليه الحرب في أوكرانيا. وستستفيد إسرائيل من الوقت لتدشين صادرات جديدة من الغاز، عبر المتوسط، إلى أوروبا.

هنا يصبح مُلحّاً التفكير في اتفاق الترسيم الموعود وتقاسم الغاز بين لبنان وإسرائيل، والمنافسة المفترض أن تقع بين «قانا» و»كاريش». فالإسرائيليون ربما يناسبهم إنجاز الاتفاق في الناقورة قبل الاتفاق في فيينا، ليتفردوا بالمكاسب الموعودة. لكن إيران ربما تفضّل أن يكون الاتفاق في الناقورة انعكاساً لمناخات الاتفاق في فيينا وترجمة لها.
وفي الاتجاهين، ستلفح لبنان رياح الخريف الآتية من فيينا.