Site icon IMLebanon

عددهم العام الماضي وصل إلى 400: «المجزرة الصيفية» لصرف المعلمين بدأت!

 

مجتمع   قضية   

الخامس من تموز موعد يتجدد سنوياً مع صرف مئات المعلمين من المدارس الخاصة. «مجزرة» سنوية يتخللها إجبار على الاستقالة تحت الترغيب والترهيب ومخالفات بالجملة لقانون تنظيم المدارس الخاصة

 

صرف المعلمين، في تموز من كل عام، او ما اصطلح على تسميته بـ«مجزرة الصيف»، يحصد المئات كل سنة. العام الماضي وحده، وصل عدد المصروفين إلى 400، لكونها كانت السنة الأولى التي يطبق فيها قانون سلسلة الرتب والرواتب. هذه السنة، ليس في حوزة نقابة المعلمين معطيات وافية وأرقام نهائية بعد عن أعداد المصروفين في كل المدارس، إلا «أننا نتابع الحالات التي نتبلّغ بها»، بحسب رئيس النقابة رودولف عبود.

«المجزرة» التي تجري تحت غطاء قانون تنظيم المدارس الخاصة الذي يعود الى خمسينيات القرن الفائت، يسودها تحايل على القوانين و«أكل حقوق» المصروفين، وضغوط يمارسها المديرون على المعلمين لتقديم استقالات مسبقة، إضافة إلى إلزامهم بتوقيع براءة ذمة تفيد بأنّهم استوفوا كل حقوقهم. علماً بأنّهم، في بعض الحالات، لا يكونون قد حصلوا على كامل رواتبهم ومستحقاتهم. بحسب عبود، ليس مبرراً أن يعتبر إقفال الشُّعب سبباً اقتصادياً، وبالتالي حرمان المعلم من تعويض إضافي إلى تعويضه الأساسي، كما في حال الصرف التعسفي. كما أنه «ليس مفهوماً أن يحصل صرف جماعي من المدرسة نفسها في عامين متتاليين»، على غرار ما حصل في بعض مدارس الحكمة.

ولعل أغرب ما في عمليات الصرف أن إدارات المدارس تبلّغ المعلم أو المعلمة بقرار صرفه/ها شفهياً أو عبر «الإيمايل». فيما المادة 29 من القانون واضحة في هذا الشأن ولا لبس فيها، إذ تعطي الحق لرئيس المدرسة بأن يصرف من الخدمة أي معلم، شرط أن يرسل إليه كتاباً مضموناً مع إشعار بالتسلم قبل الخامس من تموز، ما يعني أنّّه لا يعتد بأي تبليغ يجري بأي طريقة أخرى. كما لا يتردد المديرون في صرف ناشطين نقابيين، علماً بأنّ المادة 29 تنص على أنه «يعتبر من قبيل إساءة استعمال الحق صرف أي فرد من أفراد الهيئة التعليمية من الخدمة لتقيده بمقررات نقابته أو مطالبته بحقوق أقرها القانون».

يتردد المعلمون المصروفون في رواية تجاربهم الشخصية مع إدارات المدارس. ما يخرج إلى العلن ويجري تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي غيض من فيض حكايات الصرف. في 3 تموز الجاري، قبل يومين من الموعد النهائي للتبليغ المنصوص عنه في القانون، أبلغت ثانوية روضة الفيحاء في طرابلس 24 أستاذاً بأنها تنوي الاستغناء عن خدماتهم (تصل سنوات خدمة البعض إلى 15 عاماً)، مستعيضة عن البعض بتعيين معلمين جدد محسوبين على موظفين إداريين في المدرسة. «الخبر – الصدمة»، كما سمته إحدى المصروفات، أتى «بلا سابق إنذار ومن دون إعطائنا متسعاً من الوقت، وبلا أي اعتبار للأثر النفسي لهذا الإجراء على أولادنا الذين قد نضطر لعدم تسجيلهم في المدرسة نفسها بعدما بتنا بلا وظيفة». بعض المصروفين وافقوا على توقيع الاستقالات، بينما رفض آخرون ذلك لمراجعة نقابتهم بشأن حقوقهم وواجباتهم. أما اسباب الصرف فتنوّعت بين التذرع بالعجز المادي وإلغاء حصة المسرح وعدم استقبال معلمة حامل. الضجة التي أثيرت حول القضية دفعت الإدارة إلى تجميد القرار، أو هذا على الأقل ما تناهى إلى مسامع المعلمين الذين لم يتبلغ بعضهم حتى الساعة كتباً مضمونة بالصرف، ولا يعرفون مصيرهم حتى الآن. لكن ما يخشاه هؤلاء هو ما جرى تسريبه لجهة أن إعادة النظر ستشمل فقط من وقع الاستقالات، ولن تطال «المتمردين»!

في مدرسة البهاء التابعة لمؤسسة الحريري في صيدا، أجبر أكثر من 32 معلماً على الاستقالة بـ«المونة» والعلاقات العائلية والحزبية بحجة الأزمة الاقتصادية وعدم امكانية الاستمرار بالتوظيفات السياسية. ووفق مصادر المعلمين، تواطأت النقابة مع إدارة المدرسة، إذ «لم تحرّك ساكناً بشأن مراجعاتنا بحجة أنّ الإدارة وعدتنا بالتعويضات وأن المدرسة مهددة بالإقفال!». وكانت المفارقة أن يتسلم إدارة المدرسة رئيس الفرع في النقابة. أما جمعية المقاصد في صيدا فقد قدمت حوافز للاستقالة، منها أن ينال المعلم 85% من تعويضه من صندوق التعويضات ومن ثم يجري التعاقد معه بـ15% من راتبه فقط.

 

رغم كل المخالفات لا يثق المصروفون بالحصول على حقوقهم عبر القضاء

 

ومن غرائب القانون أنّ المعلمة المتزوجة تحصل على تعويض مهما كانت سنوات خدمتها، في حين أن المعلمة العازبة تحصل فقط على المحسومات التقاعدية (الأموال التي تقتطع من الرواتب وتحوّل إلى صندوق التعويضات). واللافت هنا أن بعض المدارس تطلب من المعلمين الاستقالة واحضار تقارير طبية تفيد بأنّهم غير قادرين على الاستمرار في التعليم لضمان الحصول على التعويض. إلا أن كثيرين، لدى التوجه إلى الصندوق لقبض تعويضاتهم عند استحقاقها، يُفاجأون بأن مدارسهم (وهي «محترمة»!) لم تسدد عنهم اشتراكات الصندوق (6% من رواتبهم و 6% تدفعها المدرسة). وهذه، باللغة القانونية، سرقة موصوفة. ورغم توجيه إدارة الصندوق مئات الانذارات لهذه المدارس، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة.

رغم ذلك كله، فإن معظم المعلمين لا يثقون بنيل حقوقهم عبر القضاء ويفضلون الحلول الحبية، وإن كان ربح البعض للدعاوى القضائية المرفوعة، أخيراً، ضد الإدارات وصندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية قد يعطي أملاً للمعلمين المظلومين. واللافت أن المعلم المصروف حين يبحث عن فرصة أخرى في مدرسة ثانية، يكتشف في غالبية الأحيان أن الإدارة الجديدة تعرف الكثير عن ملفه في المدرسة القديمة، وكأن هناك شبكة تجمع بين هذه المدارس.

إلى ذلك، يستمر التهويل بعدم قدرة المدارس على تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب لا سيما الدرجات الست الاستثنائية كحجة للصرف. لا فرق في ذلك بين «دكان تعليم» ومؤسسة تربوية.