لا يعود سبب التراجع الكبير لعدد المصارف اللبنانية، والذي شارف الخمسين في المئة خلال عشرين عاماً الماضية، الى إقفال المصارف وإفلاسها، بل الى عمليات دمج واندماج شجّع عليها مصرف لبنان للمحافظة على مستوى حيوي للمنافسة وعلى صلابة القطاع.
يمثّل القطاع المصرفي اللبناني جزءاً مهماً من الاقتصاد الوطني، وقد بلغت حصته من الناتج القومي اللبناني العام في 2013 نحو 7 في المئة أي نحو 3,31 مليار دولار اميركي. واللافت انّ عدد المصارف اللبنانية قد تراجع بنحو 50 في المئة خلال الـ 20 عاماً الماضية.
غير انّ هذا التراجع لا يعود الى إقفال المصارف أو إفلاسها بل الى عمليات الدمج والاندماج والاستحواذ التي كان مصرف لبنان المركزي شجّع عليها ودعَمها مالياً من خلال قروض الدعم التي قدّمها للمصارف التي قامت بمبادرات الاندماج.
وقد شجّع القانون رقم 192 الصادر في العام 1993 عمليات الدمج المصرفية، كما ساعد هذا القانون المصارف الصغيرة التي تعمل بكفاءة عالية على تجاوز الاوقات الصعبة وتجنّب الإقفال. وقد وفّر القانون المذكور القروض الميسّرة للمصارف الدامجة لتغطية الاعباء الناتجة عن عمليات الدمج.
وما برحَ حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه يكرّر رفض أيّ عمليات اندماج او دمج بين الـ 11 مصرفاً الأكبر حجماً في لبنان. أمّا السبب فهو تجنّب انحسار المنافسة بين المصارف اذا ما قلّ عدد المصارف العاملة، كما لتجنّب وجود مصارف كبيرة الحجم، فينطبق عليها القول: «أكبر من أن تقع في الافلاس» فتصبح عبئاً على مصرف لبنان وعلى الاقتصاد الوطني كما حصل مؤخراً في النظام المصرفي العالمي وتحمّل وزره من يدفعون الضرائب.
اما المصارف الاكبر في لبنان، وهي 11 مصرفاً، فهي: بنك عودة، بنك بلوم – فرنسبنك، بنك بيبلوس، بنك ميد، بنك بيروت، البنك اللبناني الفرنسي، SGBL، الاعتماد اللبناني، بنك بيروت والبلاد العربية، كريدت بنك. ويبلغ عدد المصارف العاملة في لبنان حالياً 72 مصرفاً موزّعين كما يلي: 13 مصرفاً لبنانياً، 10 مصارف لبنانية تحت ادارة عربية، مصرف لبناني واحد تحت ادارة اجنبية، 4 مصارف اجنبية، 10 مصارف عربية، 16 مصرفاً استشارياً.
وعلى خلفية أهمية القطاع المصرفي على مستوى الاقتصاد الوطني العام وضرورة العمل على حسن أداء هذا القطاع، كان من الضروري تحديد العدد الأمثل للمصارف التي يجب ان تكون عاملة في لبنان وبهدف الحفاظ على المنافسة الايجابية بين هذه المصارف.
وتعتبر عمليات الاندماج الافضل عندما تحصل بين مصارف من الحجم نفسه، اذ عندما تتركز عمليات الدمج على مبادرات المصارف الكبرى فإنّ ذلك سوف يقود الى توسيع الهاوية بين المصارف الكبرى والمصارف الصغرى.
وسوف يزيد ذلك من خسائر المصارف الصغيرة واعبائها التي قد تضطرّ الى تخفيض العمولات المصرفية لاجتذاب الزبائن. كما يؤدي ذلك من جهة أخرى الى تحقيق المصارف الكبرى ارباحاً كبيرة كونها لا تواجه أيّ منافسة تذكر.
وكان مصرف لبنان المركزي وما زال يتلقى وباستمرار الطلبات الجديدة لإتمام عمليات الدمج والاندماج. ولتفهّم الدافع وراء الاقبال على عمليات الدمج، يجدر الاطلاع على طبيعة العمل المصرفي في لبنان. هذا العمل الذي يتركز على اهمية جذب الودائع المصرفية، والتي بلغ حجمها في نهاية العام 2013 ثلاثة اضعاف حجم الناتج القومي العام في لبنان.
وفي المقابل توظّف المصارف بعضاً من موجوداتها في سندات الخزينة وفي القروض الى القطاع الخاص. لكنها تحرص بشدة على الاحتفاظ بأكبر قدر من السيولة وذلك كونها تدرك تماماً انها تعمل في إطار دقيق وصعب على المستوى السياسي والامني والاقتصادي، أكان ذلك على الصعيد الداخلي او الاقليمي.
وانطلاقاً من هذا الواقع الذي يقلّل فرَص التوظيف المدرّ للأرباح وتحقيق الاستمرارية والنمو، فإنّ اللجوء الى عمليات الدمج يقلل من مخاطر إفلاس المصارف الصغيرة ويحقق النمو وحصة أكبر في السوق للمصارف الكبيرة، وبالتالي يحافظ على مصداقية القطاع وصلابته…
وتزيد التدابير والمتطلبات الدولية الجديدة من صعوبة عمل المصارف الصغيرة والمتوسطة. ومن أبرز هذه القوانين، قانون FATCA ضد التهرّب من الضرائب وقوانين محاربة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. وانّ تحقيق الجهوزية والقدرة على التزام مقتضيات هذه القوانين يتطلب تكاليف اضافية على مستوى التجهيزات والكلفة البشرية.
وكان العام 2014 شهد 4 عمليات دمج، هي:
أولاً: استحوذ فرنسبنك بالكامل على البنك الاهلي الدولي في شهر أيار 2014 في صفقة بلغت قيمتها 102 مليون دولار اميركي. وفي نهاية 2013 بلغت موجودات فرنسبنك 16,96 مليار دولار والبنك الاهلي 787 مليون دولار.
ثانياً: اندماج بنك الصناعة والعمل والبنك التجاري للشرق الادنى NECB في تموز 2014. وتبلغ موجودات BIT 724,4 مليون دولار وNECB 397,3 مليون دولار، وسوف يحمل البنك الجديد تسمية BIT على أن يترأس فؤاد الخازن ادارة المصرف الجديد المذكور الذي سوف يبلغ مجموع موجوداته 1,1 مليار دولار.
ثالثاً: وقع سيدروس انفست بنك اتفاقاً لشراء أعمال التجزئة في بنك ستاندرد تشارترد في شهر حزيران 2014، والذي حصل على موافقة مصرف لبنان المركزي، وتبلغ موجودات CEDRUS بنك 85,4 مليون دولار مقابل 131,7 مليون دولار لستاندرد تشارترد بنك، منها 53,9 مليون دولار قيمة محفظة عمليات التجزئة.
رابعاً: في تشرين الاول 2014 باعَ بنك فرعون وشيحا 80 في المئة من أسهمه الى مجموعة ZR، وهي مجموعة دولية مركزها لبنان، وقدرت قيمة الصفقة بـ 90 مليون دولار اميركي. وتبلغ مجموع موجودات بنك فرعون وشيحا، كما في نهاية العام 2013، نحو 299 مليون دولار اميركي.