الشك أفضل من الإنسياق في خطط دولية للسلام تتجاهل دقة الموازين الديموغرافية
مفاجأتا أعداد اللاجئين الفلسطينيِّين والنازحين السوريِّين في لبنان على بساط التدقيق
من دون الذهاب إلى نظرية المؤامرة فإنه لا يمكن الفصل بين الارقام التي اعتبرت صادمة وبين ما ترمي اليه الإدارة الاميركية من خطط
لا تزال الدراسة التي وضعتها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني قيد التدقيق والتمحيص لدى أكثر من جهة سياسية، بفعل ما إنتهت اليه من نتائج وخلاصات، لا سيما لجهة تحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين بـ174422، مع اقتراح منحهم حق المواطنة ما خلا الجنسية، في حين تشير المعطيات الخاصة بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA، الى أن عددهم المسجّل رسميا في لبنان حتى آذار 2016 يبلغ نحو 459 ألفا، في مقابل نحو 593 ألفا مسجلين حتى كانون الأول 2016 في السجلات الرسمية اللبنانية.
هذا الفارق في العدد لا يزال بلا تبرير مقنع، رغم أن واضعي الإحصاء الأخير، وهو الأحدث، سارعوا الى نوع من التوظيف السياسي للإحصاء من خلال الإشارة الى أنه «حان الوقت لإعطاء الفلسطينيين الحقوق الإقتصادية والإجتماعية ضمن الإطار الدستوري والميثاقي»، وهي عبارة فضفاضة وخصوصا في ما يتعلّق بالحقوق الإجتماعية، في حين رأت الجبهة الديمقراطية، على سبيل المثال، أن نتائج التعداد يجب ان تسقط ذريعة العديد من الأطراف سواء تلك التي كانت تتذرع بمشكلة النقص في المعطيات الإحصائية لتقديم مشاريع إنمائية للمخيمات، أو تلك التي كانت تستخدم الأرقام في التجاذبات المحلية وتزجها في اللعبة الداخلية(…)».
وكان رئيس الحكومة سعد الحريري قد أعلن أن لجنة الحوار «وضعت الأمور في نصابها، والحكومة أطلقت الإحصاء، واليوم لدينا النتائج، العدد واضح».
وتزامنت هذه الدراسة مع أرقامها اللافتة مع إعلان مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أن عدد النازحين السوريين في لبنان تراجع لأقل من مليون شخص للمرة الأولى منذ عام 2014، ليبلغ نهاية تشرين الثاني الفائت 997,905 نازحين مسجلين في لبنان، غالبيتهم من النساء والأطفال، مقارنة بمليون و11 ألف و366 في كانون الأول 2016.
وأعادت المفوضية تراجع الرقم الى 3 عوامل: عودة نازحين إلى ديارهم في ظل الهدوء الذي تشهده مناطق عدة في سوريا، وهجرتهم إلى بلدان أخرى والوفيات.
وتعتبر جهات سياسية معنية أن تزامن إعلان نتيجة البحث اللبناني عن اللاجئين الفلسطينيين والتقرير الأممي عن النازحين السوريين، يثير بعضا من التساؤلات عن التوقيت وعن النتائج في آن معا، من دون الذهاب الى نظريات المؤامرة، أقلّه الى حين إتضاح كامل الصورة. ذلك أنه لا يمكن الفصل بين الأرقام التي اعتُبرت صادمة، وبين ما تعدّ الإدارة الأميركية من خطط عمل (بعض جوانبها لا تزال غير واضحة المعالم) ترسي تسوية إسرائيلية – فلسطينية بمشاركة ومعرفة عربية لصيقة، وبضغط واضح المعالم في أحيان عدّة.
وتشير هذه الجهات المعنية الى أن أكثر ما يبعث على القلق هو إعتراف معظم العاملين الدوليين والعرب على خط التسوية، بأن توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم هو جزء لا يتجزأ من أي تسوية، وهو شرط أميركي – إسرائيلي لا يرنو اليه الشك. وتاليا من السهل هضم رقم الـ174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، بخلاف رقم الـ459 ألفا المسجلين رسميا في القيود لبنانية والأممية. وإذ ذاك يكون لبنان أمام توطين مقنّع فلسطيني، ولاحقا سوري، بخلاف الرغبة المعنة اللبنانية والسورية والفلسطينية.
وترى أنه لا بدّ من التروي في مقاربة مسألة اللاجئين والنازحين مع بعض الشك، ذلك أن الشك يبقى أفضل بكثير من الإنسياق، بلا دراية أو معرفة أو إنتباه، في خطط دولية لم تكن يوما لتأخذ في الاعتبار المصلحة اللبنانية والاستقرار ودقة الموازين الديموغرافية.
وتلفت الى أن عواصم القرار، وخصوصا تلك المعنية بتسوية إسرائيلية – فلسطينية وبأخرى سورية، غالبا ما تقدّم رؤيتها للحل على أي مصلحة محلية، سواء كانت لبنانية أو سورية أو فلسطينية، وهنا بيت القصيد. ويبقى النقاش الدولي على هامش اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي استضافته باريس في 8 كانون الأول أكبر دليل على كل ذلك. وإلا ما معنى إصرار غالبية المجتمع الدولي على إلصاق صفة «الطوعية» بأي فقرة أو عبارة تتعلٌق بعودة النازحين السوريين، في حين تقاتل الديبلوماسية اللبنانية في كل مناسبة مماثلة لإبدالها بصفة «الآمنة»!