أعادت نتائج الانتخابات النيابية ولو بصورتها غير الرسمية، خلط الأوراق على الساحة السياسية بعد فوز شخصيات كانت غائبة عن الواجهة السياسية منذ الـ«2005»، وهي المعروفة بتأييدها لـ«حزب الله»، وتدور في الفلك السوري، باعتبار أنها فازت بأصوات ناخبيه في عدد من الدوائر، وهذا سيعزز من كتلة قوى «8 آذار» النيابية في المجلس النيابي الجديد، في مقابل انخفاض عدد نواب كتلة «المستقبل»، كنتيجة طبيعية لقانون النسبية الذي جرى اعتماده للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات النيابية في لبنان. وهذا الأمر سيترك تداعياته على التوازنات السياسية والنيابية في الندوة النيابية الجديدة، خاصةً وأنه سيكون لـ«حزب الله» وحلفائه الكتلة الأكبر بين النواب، في مقابل تراجع عدد نواب «المستقبل» وحلفائه، في حين يُفترض أن يكوِّن «التيار الوطني الحر» والكتل النيابية الأخرى التي تدور في فلك المستقلين، بيضة القبان داخل المجلس، سيما فيما يتصل بالاستحقاقات التي ينتظرها لبنان.
لكن وبالرغم من ذلك، فإن المعادلة التي ستفرض نفسها داخل مجلس النواب، وإن كانت لقوى «8 آذار» الأكثرية العددية في المجلس الجديد، إلا أنه لا يمكن كما تؤكد أوساط نيابية بارزة لـ«اللواء»، لأي طرف داخل مجلس النواب أو خارجه من تغيير القواعد المعمول بها، وبالتالي فإن طبيعة المرحلة المقبلة ستفرض على جميع الأطراف الالتزام بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني والمحافظة على تركيبة النظام القائم وعدم المس بجوهره، لأنه لا يمكن لأي مكوِّن سياسي الاستفراد والهيمنة ومحاولة فرض أمر واقع على اللبنانيين لا يمكن القبول به، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت أنه لا يمكن لأحد الاستئثار بالغالبية النيابية المطلقة، وبالتالي فإن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها، حرصاً على الاستقرار وصوناً للوحدة الوطنية والعيش المشترك بين اللبنانيين.
وتشير الأوساط إلى أنه لا يمكن استخدام نتائج الاستحقاق النيابي لتصفية حسابات سياسية مع أي طرف، سواء في انتخابات رئاسة المجلس، أو في تسمية رئيس الحكومة الجديدة، في ضوء ما أُشيع عن أن «حزب الله» ليس متحمساً لإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة العتيدة، بعد النكسة الانتخابية التي أُصيب بها وفقدانه حصرية تمثيل الطائفة السنية سياسياً، كما يقول الحزب ومناصروه، مشددةً في الوقت نفسه، على أن مفاعيل التسوية السياسية القائمة لا زالت ترخي بظلالها على المشهد الداخلي، وهذا بطبيعة الحال لن يقود إلى تغييرات أساسية على الواقع القائم، باعتبار أن رئيس الجمهورية ميشال عون حريص هو الآخر على عدم حصول ما يعكِّر صفو هذه التسوية، حيث تشير المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، من مصادر عليمة، إلى أن القسم الأكبر من النواب سيعيدون تسمية الرئيس الحريري برئاسة الحكومة المقبلة، في ظل تمسك القوى السياسية ببقاء التسوية التي ساعدت العهد على إنجاز الكثير من الاستحقاقات وآخرها الانتخابات النيابية، ما يجعل هناك حاجة لاستمرار الوضع على ما هو عليه، بالتوازي مع الحرص على معالجة الكثير من الملفات المُرحّلة إلى الحكومة الجديدة، وتحديداً على الصعيد الاقتصادي، حيث أن لبنان ملتزمٌ بتنفيذ الخطة التي قدّمها إلى مؤتمر «سيدر»، الأمر الذي يفرض على الحكومة الجديدة أن تتعامل بكثير من المسؤولية مع هذه الملفات لحماية لبنان من انهيار اقتصادي قد لا يبدو بعيداً، في حال لم يتم الالتزام بهذه الخطة وحصل ما يوتّر الأجواء السياسية في البلد ويعيد الانقسامات إلى ما كانت عليه.
وتشدد الأوساط، على أن مصلحة لبنان تفترض الإسراع في تشكيل الحكومة وعدم اللجوء إلى سياسة الشروط المتبادلة، في وقت تواجه المنطقة استحقاقات خطيرة تفترض مواجهتها لبنانياً بتحصين الجبهة الداخلية وحماية إنجازات العهد وضمان الاستقرار السياسي الذي يشكل مصلحةً لجميع الأطراف.