IMLebanon

رفع السقوف السياسية يبلغ المنطقة المحظورة هاجس الاستقرار المالي هل يردع الانزلاق؟

شهد لبنان يوم الجمعة الماضي تغييراً طفيفاً في سعر الدولار الأميركي تعدى الهامش المحدّد من المصرف المركزي متخطياً عتبة 1515 ليرة لبنانية كحد أقصى للمرة الأولى منذ سنوات. وهذه السنوات استقر فيها لبنان على وقع استقرار عملته الوطنية قياساً على الدولار بعد معاناة لم ينسها اللبنانيون بعد على رغم مرور أكثر من عشرين سنة. وهذه المعلومات لم تكشفها الأوساط الاقتصادية المعنية أولا لأنه أمكن إعادة التوازن بسرعة الى السوق بعد احتواء الارتفاع الطفيف الذي لا يعد مقلقاً، وثانياً للحفاظ على تماسك الوضع المالي ومنع تطوره سلباً. إلا أن هذه الأوساط لم تخف سخطها وانزعاجها من اداء الأفرقاء السياسيين في البلد مما يدفع به الى الانزلاق خصوصا في ظل بعض التصريحات التي أطلقها وزراء والتي وجدت ردّ فعل سلبياً حتى لدى مرجعيات سياسية لم تجد مبرراً للكلام العلني في هذا الاتجاه باعتبار انه قد يطلق تطوّرات ليست في الحسبان ويتم تجنبها. ولم تساهم مواقف بعض السياسيين وحدها بذلك بل أيضاً بعض تصريحات مسؤولين ماليين وذلك في معرض التحذير من عدم إقرار القوانين المالية في جلسة تشريعية يحصل تجاذب سياسي قوي حولها ويخشى من تبعات عدم انعقادها على تصنيف لبنان وتالياً على وضع المصارف التي تشكل الثقل الأساسي الذي يعتمد عليه لبنان. فهامش تخطي السعر المعروف للدولار ولو بنسبة محدودة جداً قد لا يكون مهماً مقدار ما هو مهم رمزية ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية والذي كان الرئيس رفيق الحريري أب هذا التثبيت وراعيه الأساسي، كما هو مهم في دلالته على أن السقف متى اخترق فإنه يصبح سهلاً اختراقه أو السماح بذلك، إضافة الى إبقاء عامل الثقة بالبلد وعملته قائماً لأن أي اهتزاز على هذا الصعيد قد يكون خطيراً بدليل أن المواقف السياسية ومواقف بعض الاقتصاديين التي حذّرت من تأثير ما يجري على الاستقرار المالي ساهمت في إثارة الخوف. وقد كان رد الفعل على هذا التطوّر حساساً لدى الأوساط الاقتصادية والمالية من منظار ما يمكن أن يستدرجه ذلك على البلد خصوصاً مع استمرار تسعير المواقف السياسية ورفع سقوفها بما قد يجد لبنان نفسه فجأة أمام واقع جديد يواجه وضعاً مالياً مستجداً ويضيف أثقالاً جديدة على وضع مهترئ أصلاً على مستويات عدة.

السؤال الأساسي الذي استفزه هذا التطوّر هو الى أي مدى يريد الأفرقاء السياسيون الدفع بالبلد وهل يتحمّلون مخاطر ما يمكن أن يؤدي إليه الوضع الاقتصادي أم انهم لا يأبهون لهذه المخاطر باعتبار أن ما جرى هو أشبه بما يكون لعبا بالنار يمكن ان يحرق الجميع وليس طرفاً أو فريقاً واحداً من دون الآخر. هذه المعلومات تقول مصادر اقتصادية من المرجح ان يكون حملها وفد جمعية المصارف الى جميع المسؤولين وكان آخرهم الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون الذي سيلتقيه الوفد اليوم بحيث تكون هذه اللقاءات بمثابة إنذار من تبعات اداء سياسي خطير في حال لم تعقد الجلسة التشريعية الخميس المقبل وتقر خلالها المشاريع المتصلة بالوضع المالي من ضمن المهلة التي تنتهي قبل نهاية السنة الحالية. ويفترض بهذه المعلومات ان تذلل العقبات من أمام انعقاد الجلسة التشريعية من أجل إقرار قوانين مالية لا تنفي مصادر اقتصادية أنه جرى التمييع في شأنها طويلاً قبل أن يدفع من عاند في السابق من أجل إقرارها انطلاقاً من اقتناع بأن تطورين مهمين يمكن استخلاصهما من ذلك أولهما أن مخاطر عدم إقرار هذه القوانين باتت كبيرة بحيث لا يمكن تجنبها ومن الأفضل تبنيها تحت طائلة مواجهة الأسوأ في حال عدم إقرارها باعتبار أن الضرر الذي يمكن أن يتأتّى عن ذلك بات أكبر من إقرارها وإن لم يكن هذا الإقرار محبذاً بالنسبة الى هؤلاء الأفرقاء. وثانياً ان كلفة استقرار البلد مهمة جداً بالنسبة الى هؤلاء الأفرقاء في هذه المرحلة بحيث يظهرون استعدادا للتعاون في إقرار القوانين التي ناهضوا إقرارها خشية انزلاق الأمور الى ما قد يكون أكثر فداحة خصوصا ان القوانين المالية المقصودة قد تكون أول الغيث بما قد تحمله تالياً بخطوات لاحقة.

ولذلك يكتسب انعقاد الجلسة التشريعية أهمية مضاعفة كونها يمكن أن ترسل رسالة إيجابية على عكس ما دفع البعض في اتجاهه أي إمكان التأجيل ما دامت المهلة متاحة حتى منتصف الشهر المقبل. ففي ظل الكباش السياسي الجاري فإن الرسائل السياسية التي توجه تترك تداعياتها على الوضعين الاقتصادي والمالي بحيث من المستحسن إظهار إيجابيات تدحض التطورات التي ظهرت أخيراً. ولذلك كان من المهم ولا يزال ألا يظهر الأفرقاء الذين يرفعون شروطاً لانعقاد الجلسة تحت طائلة تطييرها بذريعة افتقادها للميثاقية في موقع المسؤول عن تعطيل هذا المسار ولو أن هناك مجاهرة علنية بتأييد إقرار القوانين المقصودة. اذ ان هذه المجاهرة تحتاج من جهة الى أن تترجم فعلاً وليس قولاً فقط. أضف الى ذلك غياب عامل الثقة الذي تفجر بين كل الأفرقاء خصوصا الحلفاء في ما بينهم أكان ذلك في قوى 14 أو 8 آذار، ما يمكن استثماره أو توظيفه في مخاوف مما قد يتجه إليه لبنان في المرحلة القريبة المقبلة. وهذا وحده يشكل حافزاً كافياً للجم تصاعد الأمور ومعالجة الخلافات تحت سقف محاولة التوصل الى تسوية تسمح بانعقاد الجلسة التشريعية.