يحتار المواطن اللبناني في أن يتخذ موقفاً من بعض الخطابات التي تنهال عليه يومياً من قبل المسؤولين والزعماء والسياسيين خصوصاً حينما يخرجون بخطابات عن المبادئ الجوهرية التي «يدافعون» عنها و«يصارعون» من أجلها، بل و«يعملون» على تثبيتها وترسيخها في مجتمعنا وحياتنا السياسية اللبنانية وذلك على رغم معارضة بقية الافرقاء لها بحسب زعمهم.
يحتار المواطن كون التحدي المُثار يطاوله مباشرة… وهذا حاله مع دفاع الساسة عن الحرية الفردية والجماعية والتي بالعادة تكون على رأس هذه الاولويات التي يمنّنوننا بأنهم يدافعون عنها… فهم لا ينامون حتى استردادها أينما كانت ولا همّ لهم إلّا استرجاعها من يد خاطفيها.
وكل ما يتقدمون به من قوانين ومشاريع وقرارات لا هدف لها إلّا استعادة ما سلب من الحرية في غفلة من الزمن، وهم، ودائماً بحسب أقوالهم، يعملون المستحيل، لكي يبقى لبنان منارة للحرية في هذا المشرق وتبقى شمس الحرية تطل على شعبه…
هذه المطوّلات الكلامية والتي يستخدمها كل الافرقاء على حدٍّ سواء، والتي يقف أمامها المواطن اللبناني محتاراً تخفي حقيقة مرة… ألا وهي ابتعاد الطبقة التي تتعاطى الشأن العام عن تحقيق الحرية للمجتمع اللبناني والامثلة على ذلك طويلة، فحيث مطلوب تعزيزها يعملون على قمعها سواء داخل أحزابهم ومجتمعاتهم وناسهم… او داخل المناطق التي يسيطرون عليها… او عند مناقشتهم قانوناً عاماً.
لنأخذ قانون الانتخابات مثالاً، حيث افتقدنا للحرية الحقيقية في أيّ طرح مقدّم خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحقوق الجماعات التي يدّعون مدافعتهم عنها… الفساد مثال آخر، فذلك الزعيم فاسد وسارق طالما لم يتحالف معنا أمّا عند وقوع التحالف فخطاياه مغفورة… وهكذا التعاطي مع وسائل الاعلام التي تصبح حرّة ونظيفة عند تمجيد الزعيم او القائد، وعميلة في حال توجيه أيّ لوم أو نقد إليه ومهما كان محقاً… ومع كل تلك الممارسات المستمرة، هنالك من يحاول أن يتحفنا يومياً بأنه لا ينام لتأمين حريتنا الشخصية والعامة، من دون ان يتوانى عن التدخل في عمل السلطة القضائية التي من المفروض أن تكون الحامي الاول للحريات، ومكتسحاً القوانين المرعية الإجراء لتنفيذ رغباته ومصالحه ومصالح أزلامه، ضارباً بعرض الحائط مفهوم الدولة الحامية للحريات…
إنّ الأزمة العامة التي نعيشها اليوم في لبنان، هي نتيجة من نتائج تصرفات الطبقة السياسية المزدوجة سواء بالتناقض بين أقوالهم وأعمالهم أو بابتعادهم عن العمل العام. والمقصود بالعمل العام، ما يتجاوز السياسة المباشرة أي كل ما له علاقة بالمجتمع اللبناني وبكل ما يعني هذا المجتمع، كالاهتمام بحرية التعليم عبر تأمين مجانية إيجابية في هذا المضمار، أو بترسيخ ثقافة المواطنة لا الزبائنية السياسية، او بالمحافظة على البيئة بكل أوجهها… أو بخلق المجال أمام جيل جديد يستطيع أن يُعبّر عن افكاره ضمن أحزاب مؤسساتية يحكمها الحلم بالتقدم في سلم المسؤوليات لا أنظمة قمعية أو تعلّم الزحف بهدف الوصول الى المراكز، ولا تصاب بهاجس الحرية فيصبح فيروساً يجب القضاء عليه… بمعنى آخر فإنّ هذه الطبقة الحاكمة لا تربط مصالحها بالتقدم الإجمالي للبلد وإنما بتخلّفه، وفي هذا قمة الكذب والازدواجية.
وبالعودة الى التصريحات عن الحريات… اليوم عرفت من كان يقصد الناصري بقوله «إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم»… إنّهم ساسة موجودون في كل مكان وزمان وقد تجمّعوا اليوم علينا في وطن صغير اسمه لبنان…