تتكرّر المؤتمرات الكنسية لبحث اوضاع مسيحيّي المشرق، بهدف تبديد الهواجس التي يشعر بها مسيحيّو لبنان والمنطقة، بسبب الازمات والحروب التي تعيشها بلدانهم، لكن النتيجة تأتي دائماً سلبية وعلى حسابهم، لان المسيحيين يدفعون ثمن حروب الآخرين دائماً، ما يجعل من الهجرة مصدر قلق دائم، لأن الأرض التي نشأت عليها المسيحية تفرغ شيئا فشيئاً من مؤمنيها. كما بات عنوان «الوجود المسيحي في الشرق» يطرح سؤالاً يتردّد بقوة اليوم حول مستقبل هذا الوجود، بعد ان ترافق بألم كبير وانتقل صداه ليشمل كل المنطقة، التي بدأت تعاني من فقدان المسيحييّن على ارضها. ما يؤكد وجود دول ضالعة في تمويل الاعتداءات عليهم، بهدف عدم استقرار المنطقة الذي يجعل هؤلاء يشعرون بأنهم رهائن في هذا الشرق.
وسط هذا المشهد، تستذكر اوساط كنسية العبارة التي اطلقها المؤرخ الراحل شارل مالك: «إذا سقطت المسيحية الحرة في لبنان انتهى أمرها في الشرق الأوسط كله»، داعية من خلالها الى تبديد الهواجس التي يشعر بها مسيحيّو لبنان والمنطقة، ونقلت عن البطريرك بشارة الراعي جملة عبارات مشجعة داعمة للبقاء المسيحي، من خلال تأكيده التمسك بالوجود المسيحي في بلداننا المشرقية، والايمان بأن الشرق الأوسط هو مكان تجسّدنا، وبأن لا هجرة ولا خوف، ولا تقوقع ولا ذوبان، ولا قوة بشرية تستطيع اقتلاعنا من هذا الشرق.
ورأت هذه الاوساط أن الوجود المسيحي بات مهدداً اليوم اكثر من اي وقــت مضى، من هنا يعيش المسيحيون في الشرق حالة خوف على مستقبلهم فيدفعون دائماً الثمن، لذا يبحثون عن ملاذ آمن في مكان ما من العالم، بعد أن افتقدوه في أوطانهم الأم، وبعد ان تلاشت أحلامهم بـدولة وطنية مدنية حديثة تحقق لهم المساواة التامة مع شركائهم، لان المسيحيين إعتادوا العيش بسلام ورقيّ مما أتاح الفرصة للمتطرفين من كل العقائد والأعراق لتنفيذ مهامهم، واستهداف المخالفين لهم في العرق أو العقيدة بعمليات القتل، أو الترحيل القسري من أماكنهم، داعية المجتمعات الدولية الى التحرك بدل إطلاق الشعارات فقط، واعتبرت أن الدول العربية لم تعد حامية وضامنة للسلم الاهلي، ولعيش المواطنين وحرياتهم، بل تحولت بسبب تخليها عن ادنى شروط الوجود والشرعية الى عبء هائل وضاغط، خصوصاً ان المسيحية العربية تواجه اليوم خطراً وجودياً في العراق وفلسطين، فضلاً عن مشكلات قاسية في لبنان وسوريا ومصر، معتبرةً ان الحالة العامة هي حالة تشاؤم لدى الشباب بسبب عدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم.
ورأت الاوساط أن المجتمعات العربية تحولت الى معازل تنال من انسانية المسيحيّين والمسلمين معاً، وهناك كثيرون يشعرون بسبب التهميش أنه لم يعد في وسعهم ممارسة طموحاتهم او تحقيقها، لافتةً الى ما حصل لمسيحيّي العراق، اذ تمت تصفية الوجود المسيحي هناك وعلى مرأى من مسيحيّي العالم، والى ما تعرّض له اقباط مصر من شتى انواع الضغوطات، والحوادث الدامية التي قضى بنتيجتها عدد كبير من الشهداء الأقباط، مع ما رافقها من تهديم للكنائس، إضافة الى ما يجري في سوريا من ممارسات مماثلة.
الى ذلك سألت الاوساط الكنسية: «ما العمل حتى نستطيع إتخاذ الوسائل التي تؤدي الى صناعة العيش المشترك في هذه البلدان؟»، ورأت انه كي نصل الى ذلك لا بد من الاعتراف بالخصوصيات المسيحية والسنّية والشيعية، معتبرةً ان على الحضور المسيحي في لبنان ان يكون مشاركاً في صناعة القرار الوطني، وإلا لن يتحقق التعايش، لان هجرة المسيحيين مشهد يتكرّر ويتنقل. مما يجعل من الهجرة مصدر قلق لأن الأرض التي نشأت عليها المسيحية تفرغ شيئا فشيئاً من مؤمنيها، ومن هنا يجب العمل الجدي للحدّ من نزيف الهجرة.
وختمت بالدعوة الى إتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذا النزف المستمر، أي إجراءات تؤكد تحمّل الحكومات لمسؤوليتها في القيام بواجباتها القانونية، وفي توفير الحماية والأمن لمواطنيها المسيحيين، وكذلك الامر بالنسبة الى تحمّل المجتمع الدولي حماية هذا الوجود، بحيث يبدو وكأن الامر لا يعنيه، لان مصالحه الخاصة تأتي في الدرجة الاولى.