العارفون بمداولات الأسبوعين الماضيين لا ينتظرون خرقاً عوّل عليه بعض المراقبين نتيجة بيان رئيس البرلمان نبيه بري، الذي وجد فيه بعض المحللين مؤشّراً إلى أنّه أدار محرّكاته بحثاً عن حلول لا بدّ من أن تظهر قريباً.
على العكس، صدر بيان بري نتيجة اقتناعه بأنّ محاولاته، الصامتة والبعيدة من الأضواء، لم تنجح. فهو بالرغم من صمته، يتابع تفاصيل المداولات التي تجري منذ 3 أشهر، ويجري اتصالات بعيداً من الأضواء، ويرسل موفدين للاستطلاع وطرح الأفكار… مع تكرار ونواب كتلته، وجوب قيام حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين وِفق المبادرة الفرنسية، خصوصاً أنّ باريس على تواصل معه بشكل أو بآخر.
بيانه كشف أنّه تقدّم باقتراح “كحلّ ينصف الجميع، وأوّلهم لبنان، وتعطّل للأسف عند مقاربة الثلث المعطّل”. وبالرغم من نفي المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يكون طالب بالثلث المعطّل ردّاً على بيان بري الإثنين، فإنّ تأكيد بري أنّ هذه هي العقبة جاء ردّاً على النفي السابق لعون أن يكون طلب الثلث المعطّل في حديثه الصحافي الجمعة 29 كانون الثاني، الذي هاجم فيه الرئيس سعد الحريري، بما يعني أنّ بري غير مقتنع بالنفي الأول الذي سبق بيانه، فكيف بالنفي الذي تلاه؟
اقتراح بري حول تسمية وزراء “لا يكونون معنا وليسوا ضدّنا” عمره شهران، حين أوفد نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي ومعاونه النائب علي حسن خليل ليقترح الأمر على كلّ من الحريري وعون، بدءاً بزعيم “المستقبل”. معادلة بري نشأت من اقتناعه أنّ في الطائفة الشيعية أشخاص يكرهون “الثنائي الشيعي” وأشخاص لا يحبّوننا لكن لا يكرهوننا. فلتتمّ تسمية الوزراء من الصنف الثاني، ولتطبّق المعادلة على الجميع. تبلّغ الرسولان بأنّ الحريري ينتظر جواباً من وسيط (علاء الخواجة) تبرّع بالتحدّث مع جبران باسيل كي يتخلّى عن شرط تسمية الوزراء الموالين للحصول على الثلث المعطّل، فلم يكملا طريقهما عند عون. لكن الجواب للوسيط جاء سلبياً.
تجدّدت المحاولات. وقبل أيام، زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بتشجيع من بري و”حزب الله” معاً، جبران باسيل في اللقلوق فعاد بالأجوبة المخيبة: نريد حكومة من 20 وزيراً، منهم 6 مسيحيين يسمّيهم الرئيس من دون احتساب وزير “الطاشناق”، وواحد درزي للنائب طلال أرسلان. أيّ عملياً، تصبح حصّة تكتّل “لبنان القوي” 8، ما يعني الثلث زائداً إثنين وليس واحداً، في وقت يمكن لوزيرين شيعيين محسوبين على “حزب الله” أن يتضامنا مع عون و”التيار الوطني الحرّ” في بعض المحطّات، فيصبح الوزراء الموالين لرئيس الجمهورية 10، أي نصف عدد أعضاء الحكومة. قيل إنّ المحاولة لثني عون – باسيل عن الثلث المعطّل (في حكومة الـ 18 وزيراً التي يتمسّك بها الحريري) شملت أن تتمّ تسمية وزير أرثوذكسي لحقيبة الداخلية التي يصرّان عليها، بشكل مشترك، بحيث يدفع “الحزب” باسم معين مقبول من الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، لكن هذا الاقتراح لم ينجح.
حديث بري عن أنّ “العائق من عندياتنا” هو الصيغة المنمّقة لما يعتبره “عناد” الفريق الرئاسي. لكن بيانه الإثنين جعل أقرب إلى المستحيل موافقته على حكومة فيها الثلث المعطّل لعون. بات المتّصلون ببري يدركون أنّ حكومة بثلث معطّل، تعني أنه غير معني بها، ولا يعتبر نفسه شريكاً فيها.