لم تكد أنباء تحضير لجنة التواصل الدرزية في الداخل الفلسطيني المحتل برئاسة الشيخ علي المعدي لزيارةٍ للبنان تتسرب، حتى استنفر العدو الإسرائيلي كل وسائل الضغط والترهيب لعرقلة الزيارة وتشتيت جهود الموحدين الدروز الفلسطينيين الراغبين في تعزيز روابطهم مع عمقهم في سوريا ولبنان.
منذ مدّة، واللجنة تعمل بالتنسيق مع الحزب الديموقراطي اللبناني على ترتيب زيارة لعدد كبير من المشايخ للبنان، على غرار الزيارة التي نظمتها إلى سوريا في أيلول من العام الماضي. وقبل نحو ثلاثة أسابيع، اجتمع موفدا اللجنة، إحسان مراد وفادي نفّاع مع مسؤول الملفّ في «الديموقراطي اللبناني»، بلال العريضي، في أرمينيا لتنسيق التفاصيل والحضور إلى سوريا عبر الأردن والانتقال إلى لبنان. إلا أن العدو عمل على اعتقال نفاع ومراد فور وصولهما إلى فلسطين المحتلة، وصادر جوازي سفرهما وأحالهما على المحاكمة. كما حدد العدو يوم أمس موعداً لمحاكمة الشيخ علي المعدي، بعد تحقيقات متواصلة معه، ثم عاد أمس وأجّل المحاكمة أسبوعين.
ولا يقف التهديد والترهيب عند حدود المعنيين المباشرين في اللجنة، إذ تطاول الاستدعاءات والتحقيقات والمحاكمات أكثر من عشرين رجل دين درزياً، بذريعة التحضير لزيارة «بلاد العدو»، بهدف إخافة حوالى 250 شيخاً أبدوا رغبتهم بزيارة لبنان.
العمق الديني لدى الموحدين الدروز لا يزال أقوى العوامل المؤثرة في قرار الطائفة السياسي. وعلى هذا الأساس، يعمل العدو دائماً إلى استمالة هذه الشريحة المؤثرة في الداخل الفلسطيني. وهذه السياسة، الاحتواء و«التوريط» في الداخل الفلسطيني (في جيش الاحتلال والشرطة والوظائف) ومحاولات التواصل مع الفاعليات الدرزية في لبنان وسوريا، تصب في سياق الترويج الإسرائيلي الدائم لكون الدولة الدينية اليهودية هي حامية الأقليات والحليف الأقوى لها.
والآن بعد إقرار يهودية الدولة والغضب وشعور المظلومية الذي سببه الأمر لدى مجمل الدروز في الداخل، حتى أولئك الغارقون في العمل مع النظام الإسرائيلي، والإحراج الذي أصيب به موفق طريف وأمثاله من رموز العدو في الطائفة الدرزية، تحاول عدة أطراف إسرائيلية العمل على استيعاب هذا الشعور وامتصاصه، من خلال الحديث عن طرح تعديلات على قانون يهودية الدولة، لمراعاة وضع الدروز، أو لطرح قوانين جديدة تعطي امتيازات للدروز وتصنّفهم كشعب وليس كطائفة، على غرار القانون الذي صدر في عام 2016 وصنّف المسيحيين الموارنة، تحت فئة «الشعب الآرامي»، وذلك بهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني وتعميق فروقاته وانقساماته.
من هنا، يشعر العدو الإسرائيلي بعميق القلق من أي محاولة للدروز الفلسطينيين لتعزيز علاقاتهم مع أقاربهم في سوريا ولبنان. فتعزيز هذا النوع من التواصل، يعطي دفعاً كبيراً لأبناء الجولان المحتل للاستمرار في رفضهم سياسة الأسرلة. كما يعطي دفعاً لأبناء الجليل والكرمل الرافضين للتجنيد الإلزامي في جيش الاحتلال، وخصوصاً أن زيارة سوريا ساهمت في اشتداد عود أولئك الرافضين لهذا التجنيد، وقد زاد عدد رافضي الخدمة في الأشهر الأخيرة وباتت العائلات تجاهر بموقف أبنائها في مقابل المزاج الآخر الاستسلامي لضغوط الاحتلال المتعددة. كما أن الزيارة تشكّل صفعة مباشرة للمنظومة الإسرائيلية ــــ الدرزية المشتركة، التي تروّج أمام الغرب وروسيا حرص إسرائيل على الأقليات، وخاصة من قبل أقليّة لطالما تعامل الاحتلال معها على أنها مضمونة الموقف إلى جانبه. كما أنها تكشف هشاشة فريق طريف وعدم قدرته على تطويق الوطنيين.
ومع كل الضغوط، قالت مصادر متابعة لعمل اللجنة لـ«الأخبار» إن «كل إجراءات الاحتلال لن تثنينا عن سعينا لزيارة أهلنا في سوريا ولبنان، وأن المسألة مسألة وقت، وما علينا الآن سوى الصبر».
من جهة أخرى، صدر بيان عن الفاعليات ورجال الدين في الجولان السوري المحتل دعماً للجنة التواصل الدرزية، كما أصدر شيخ العقل في لبنان ناصر الدين الغريب بياناً تضامنياً.