Site icon IMLebanon

“إنتفاضة 17 تشرين”… متغيّرات في الثوابت

 

سواء اقتنع “ثوار” الطوفان اللبناني بجديّة “الانقلاب الاقتصادي” الذي تبنّته الحكومة على وقع هدير الشارع وهتافات أبنائه، أم لم يقتنعوا، ستلف الشكوك طبيعة الوصفة السحرية التي اعتمدتها الحكومة لكي تقرّ تلك الاجراءات بين ليلة وضحاها. كيف يمكن لمن صدّ طوال أكثر من عقد من الزمن، كل المعالجات المقترحة، أن يصير إصلاحياً بـ72 ساعة؟

 

رئيس الحكومة سعد الحريري، كغيره من شركائه، غسل يديه من تهمة التلكؤ والعرقلة، معتبراً أنّ الرزمة المقترحة، هي خياره منذ أكثر من سنتين، ولم تفرض عليه بفعل قوة الشارع وضغطه.

 

ولكن، حتى لو تسللت القناعة إلى بعض الجماهير المعترضة وسحبتهم خارج حلقات التمرد، لتحملهم إلى بيوتهم من جديد – وهو أمر مستبعد حسب أولى ردات فعل الشارع – فهذا لا يعني أنّ الجالسين على كراسي السلطة استعادوا هيبتهم التي تحطّمت على صخرة انتفاضة 17 تشرين، أو صدقيتهم التي تشظّت بفعل الانفجار الشعبي.

 

سيعود الناس إلى أشغالهم عاجلاً أم آجلاً، وستستعيد الحياة نمطها الطبيعي. ولكن ثمة متغيرات فرضت نفسها على ثوابت المشهد السياسي الذي رسّخه اتفاق الطائف منذ حوالى ثلاثة عقود، واستكملت مشهديته مع وصول العماد ميشال عون، المسيحي الأقوى إلى رئاسة الجمهورية، وها هي معمودية “الثورة” تفرز واقعاً جديداً ستكون هناك استحالة في تخطيه.

 

كيفما انتهت انتفاضة 17 تشرين، لن يكون ما بعدها كما قبلها. بينهما “فالق زلزالي” من شأنه أن يبدّل قواعد السلوك السياسي بعدما سقطت محرمات التعرض للرموز السياسية وهي سابقة لم تشهدها يوميات اللبنانيين من قبل. ثمة شيء انكسر ولن يحجبه هدوء العاصفة. أما أبرز تلك المتغيرات فهي:

 

– تكاد تكون المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الكم من الانتقادات العلنية وفي قلب الجنوب، في معقله صور، النبطية، بنت جبيل… على نحو اضطره، في اليوم الرابع على الانتفاضة الشعبية، إلى خرق جدار صمته للتأكيد أن جريمته أنّه مع وحدة لبنان والحفاظ عليه، مشيراً إلى أنّ “من يقود الحملات ماكينات ممولة من الداخل والخارج تقوم بهذا الفعل لكنني مستمر في حماية لبنان الى آخر يوم في حياتي”.

 

الأمر الذي يعتبره بعض المعنيين الشيعة بمثابة إشارة اعتراض قوية تجاه قيادات حركة “أمل” خصوصاً في المرحلة المستقبلية التي ستواجه خلالها “الحركة” استحقاقات داهمة، ما يفترض أن يدفع مسؤوليها إلى قراءة انذارات الأرض بكثير من التأني والدقة.

 

– تكاد تكون موجة الانتقادات التي تعرّض لها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل غير المسبوقة، والتي ثبّتت التهمة بأنه من أكثر السياسيين “المكروهين” بعدما تمّت “شيطنته” شعبياً وسياسياً، موازية في رمزيتها، لحالة التسونامي التي فرضها العماد عون في العام 2005، فيها الكثير من الرسائل المعبّرة.

 

فباسيل الذي يفترض أنّه “يدير” حالة عونية عابرة للمناطق المسيحية، جيّرت له بقرار واضح من المؤسس العماد عون، تعرّض لأقصى حملة منذ نشوء “التيار”، يفترض أنّها نزعت من بين يديه كل المناخ المؤيد الذي راكمه الجنرال منذ عودته من المنفى، ولم يترك باسيل من حوله كدرع حماية شعبية إلّا النواة الضيقة من حملة البطاقات العاملين.ولكن هذا لا يعني أبداً وفق المعنيين انّ هذه الحالة الثائرة وضعت “وزناتها” في كفّة القوى السياسية الأخرى وتحديداً “القوات” أو “الكتائب”، مشيرين إلى أنّ الحالة الناقمة التي فرزتها شوارع الاعتراض، لا تستثني أياً من الأحزاب والقوى السياسية حيث صبّ الناس جام غضبهم على كامل الطبقة السياسية من دون استثناء.

 

– واجه “الحزب التقدمي الاشتراكي” حالة تململ في الجبل، قد تكون المرة الأولى التي تعبّر عن ذاتها بهذا الوضوح، خصوصاً وأن صناديق الاقتراع بيّنت في الاستحقاق الأخير وجود خيار ثالث ورابع في منطقتي الشوف وعاليه، ولكن إصرار الصوت الاعتراضي على إطلاق هتافاته في قلب الجبل، بدا ظاهرة غير مألوفة من شأنها أن تؤسس لواقع جديد في الجبل اذا ما استدركه الاشتراكيون وعملوا على تطويقه من خلال تغيير قواعد التعامل مع جمهورهم.

 

ولعل هذا الأمر الذي دفع قيادة “الاشتراكي” إلى قيادة معارضة من داخل السلطة مع انعقاد “الجلسة الثورية”، حيث حرص وزير الصناعة وائل أبو فاعور على تفنيد بنود ورقتهم الاقتصادية وإبراز تلك التي أسقطت على الطاولة، على نحو وكأنه يحرّض الشارع على شركائه الحكوميين من خلال تأكيد المؤكد: إنها سلطة غير موثوق بها!