تبدّل المشهد السياسي منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، إذ إن التحالفات الكبرى اهتزت، وبات الواقع الشعبي يفرض نفسه عند كل استحقاق.
لا يمكن أن تبقى المعارضة في موقع الرافض من دون تنظيم صفوفها، وما يميّز ثورة 17 تشرين هو غياب القيادة الموحّدة تحت حجّة الخوف من الإستهداف.
وعلى رغم الإنتقادات التي واجهت الثوّار بسبب عدم الإعلان عن قيادتهم، إلا أن مسار التطورات أثبت أنهم كانوا على حقّ وذلك خوفاً من بطش السلطة الحاكمة، والذي بدأ يظهر من خلال استهداف الناشطين واستدعائهم إلى التحقيق، الواحد تلو الآخر، والتهمة حاضرة وهي مساعدة الثوار في الأكل والشرب والتنقّل، وهذا ما حصل منذ يومين مع الناشطة ليندا مكاري.
وعلى رغم إصرار السلطة على ضرب الثورة، تُطرح في الأوساط المعارضة فكرة إنشاء جبهة موحّدة تضم هيئات تنسيقية عن الساحات، إضافة إلى المجموعات الناشطة مثل “لحقي” و”تحالف وطني” وبعض الأحزاب التي لم تنغمس في الفساد وشاركت في الثورة.
ومن بين تلك الأحزاب، تبرز أحزاب “القوات” و”الكتائب” و”الشيوعي” و”سبعة”، لكن إمكان توحيدهم لا يبدو منطقياً ووارداً في هذه المرحلة بالذات.
وأولى التحديات تكمن في كيفية جمع اليمين واليسار، فمنسوب الخلاف مرتفع في البيت الواحد بين “القوات” و”الكتائب” والتنسيق غائب بينهما، فكيف بالنسبة إلى أحزاب من ايديولوجيات مختلفة؟ ولا ينكر أحد أن “القوات” و”الكتائب” وقفتا إلى جانب الحراك الشعبي خلال الثورة في المناطق المسيحية حيث خيضت أشرس المعارك، خصوصاً في جل الديب والزوق والشفروليه، في حين خاض اليساريون المواجهات في المناطق الخاضعة لسيطرة الثنائي الشيعي على رغم موقف قيادة “الشيوعي” الداعم لـ”حزب الله”.
وإذ يجمع المعارضون على مطلب حكومة اختصاصيين مستقلة وعدم الرضى عن حكومة الرئيس حسان دياب، إلاّ أن المطالب الأخرى غير ثابتة، ولا تستطيع القوى المعارضة تنظيم صفوفها تحت هذا الإطار.
وما يعرقل قيام جبهة واحدة للمعارضة هو أن التحالفات على مستوى السلطة أو المعارضة يجب أن تكون لها أرضية مشتركة ولا تُنسج تحالفات لأن هناك نقطة واحدة فقط مشتركة. وبالنسبة إلى شروط ولادة أي جبهة معارضة جديدة فيجب أن تكون هناك تطلعات وطنية جامعة، فعلى سبيل المثال كيف يمكن جمع “القوات” والشيوعي سياسياً، فحصول تقاطعات على ملفات معينة شيء والجبهة السياسية شيء آخر، والدليل أنه داخل الحكومة السابقة تقاطعت “القوات” مع “حزب الله” مرات عدة لكن الخلاف الإستراتيجي بقي على حاله. اما المعضلة الأكبر أمام مثل هكذا جبهة، فهو غياب العنصر الجامع بين كل هذه القوى، فالناس لا تريد الأحزاب وتقول “كلن يعني كلن”، وهناك مجموعات داخل الحراك ناقمة على كل الأحزاب السياسية، وتدعو إلى خلق طبقة جديدة من المستقلين، تُضاف إليها صعوبة جمع أحزاب ومنظمات اليسار مع أحزاب يمينية مثل “الكتائب” و”القوات”، خصوصاً أن القيادة الشيوعية الحالية لا تختلف بطبيعة تفكيرها عن “حزب الله” وتأييد نظام الأسد.
وما يثير المخاوف في صفوف المعارضين هو أنه بمجرد إنشاء الجبهة تصبح إمكانية استهدافها سهلة جداً، والدليل ما يحصل من استهدافات من قبل رموز السلطة للمتظاهرين والناشطين. وفي ظل غياب مؤشرات لنجاح مثل هكذا طرح، يبقى التنوع في المطالب سمة المرحلة إذ تنقسم إلى مطالب وطنية واقتصادية ومعيشية، فيما العامل السياسي ليس حاضراً بقوة.
وفي ظل الأحداث المتتالية، فإن عناوين المرحلة بين قوى الثورة غير موحدة، وإذا كانت معظم القوى المعارضة ترفض حكومة دياب، إلا أنه لا يوجد اتفاق بينها على شكل الحكومة الجديدة، وإذا اتفقوا على الحكومة الجديدة لن يتفقوا على انتخابات مبكرة، وإذا حصل اتفاق على طرح الإنتخابات ستختلف هذه القوى حكماً على قانون الإنتخاب، وسط مناداة الحزب “الشيوعي” بقانون خارج التوزيع الطائفي، لذلك فإن مسألة الجبهة تتطلب قواسم مشتركة كي يتمكن كل طرف من إقناع جمهوره بها. ويغيب التنسيق أو طرح ورقة موحدة بين القوى المعارضة، حتى أن كل قوة أو هيئة تنسيق أو حزب يتصرف كما يرى الأمور، وبالتالي فإنّ عنوان القيادة الموحّدة غير مطروح حالياً، إلى أن يأتي يوم وتتألف فيه معارضة تعبّر عن تطلعات الشعب وتُنهي مرحلة ظلم القوى الحاكمة حالياً.