ثورة 17 تشرين بمفهومها التنظيمي العملاني، وبصريح العبارة، هدفها الأساس هو تحديد وجوه نشاط الثورة الحضارية اللازمة لتحقيق الأهداف المرسومة وترتيبها ضمن مجموعة أولويات، بحيث يمكننا إسناد كل عمل إلى مجموعة أشخاص متخصّصة في الشؤون الموكلة إليها. ونستذكر في هذا الإطار الباحث «سايمون»، حيث يعتبر أنّ التنظيم في حدّ ذاته هو نمط من أنماط سلوكية وسياسيّة لتحقيق التَعقُّل الإنساني. ويستطرد ليقول، إنّ التنظيم هو عملية إدارية استراتيجية، تهتّم بتجميع المهمات والأنشطة المُراد القيام بها في وظائف وأقسام عدة، وتحديد السلطات والصلاحيات، والتنسيق بين الأنشطة والأقسام، بغية تحقيق الأهداف بأفضل كفاية ممكنة.
كما أنّ تنظيم العمل الثوري ضمن الأطر الممكنة، من شأنه تنسيق جهود كل مجموعة وقدراتها والاختصاصات، وحتى الأفراد الذين يعملون معاً نحو الغاية المشتركة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة المرجوّة، بأقل ما يمكن من التنافر والتضارب، وبأقصى إشباع ممكن لكل من أولئك الذين تؤدي الخدمات من أجلهم، وهؤلاء الذين يؤدون هذه الخدمات. كل هذه الأمور التنظيمية، للأسف، لم تكن موجودة في السابق، وبات لِزاماً علينا الأخذ في الاعتبار ما أسلفناه، وإلّا ستسقط الثورة مجدداً وستُغتصب وتُحاصر وتُستغل…
ثورة 17 تشرين تعتبر أنّ السياسييّن اللبنانيين أهملوا تطبيق القوانين، وتغاضوا عن الممارسة السياسيّة الفعلية والعلميّة، فعطّلوا الحياة الديموقراطية بتغيُّبهم عن الحضور إلى مجلس النوّاب، حتى أقفلوه تحت ألف حجة وحجة، وفرضوا قوانين انتخابية نيابية غير عادلة، وحاكوا أكثر من مؤامرة على وجودية مؤسسات الدولة فطوّعوها، وصاغوا التسويات التي من شأنها تدبير أمورهم الذاتية، معطوفة على مصالح الخارج التي تُملى عليهم. وتلك الأوضاع أثّرت في حياة كثير من اللبنانيين في الدولة خلال هذه الفترة الحرجة. ومع هذه الطبقة السياسية أصبحت القوانين غير قابلة للتطبيق ولا تسير الأمور العامة كالمعتاد. لذلك ترى ثورة 17 تشرين أنّ الوضع السياسي العام يحتاج إلى سياسيين وأحزاب ووزراء ونوّاب لديهم المهارات السياسية الصادقة، وتنشأ لديهم مسؤوليات مختلفة لإدارة الوطن. ثورة 17 تشرين الصادقة تعتبر أنّ الديموقراطية القوية والسليمة تحتاج إلى رعاية واهتمام مستمرّين. وخلال هذه الفترة كثوّار، علينا أن نكون أكثر حذراً، حيث أنّ مَن بيدهم السلطة غالباً ما يستغلّون بعض التظاهرات، والتي يكون فيها بعض المواطنين مشاركين أو متعاطفين، فتسارع هذه السلطة الجائرة إلى توسيع مدى سلطاتها والحدّ من المجال المُبتغى، من خلال، إمّا التظاهرات أو الإعتصامات، فتلجأ إلى أساليب عدة، لست في حاجة إلى استذكارها لأنّها ماثلة للعيان…
وإزاء ما يحصل من تدخّلات للسلطة، ستبدأ ثورة 17 تشرين بوضع خطة محكمة تأخذ في الإعتبار الواقع الحالي، وستكون أكثر فعالية لدى قادة الثورة، حيث سيكون هناك أكبر كميّة من المعلومات والدراسات واللجان بكافة اختصاصاتها… وإذا ما تمّ هذا التخطيط، وبالتنسيق في ما بين قادة الثورة والقواعد الشعبية وأصحاب المصالح العامة، فهذا يعني بالضرورة المُلّحة وضع آليات لجمع المعلومات حول واقع الأزمة السياسية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ الاجتماعية، وتشكيل، تِباعاً، تحالف ثوري بعيداً من المصالح الخاصة والتبعية والارتهان. ويمكن للثوار الحصول على دعم محلي بدءاً من القواعد الشعبية وصولاً إلى السلطات الروحية والزمنية والسلك الخارجي، لتظهير نمط الثورة وأهدافها وآلية وصولها إلى المشاركة في الحياة السياسية.
ثورة 17 تشرين هدفها خلق رجالات دولة يُحبّون لبنان وينتمون إليه فعلياً بالقول والممارسة، لا كما هم عليه اليوم.
إنّ الانتماء إلى لبنان وفق ثورة 17 تشرين هو ضرورة شرعية وعقلية وإنسانية. وعلى كل من سيتعاطى في السياسة مستقبلاً أن يعتبر أنّ الوعي السياسي هو المصدر الأول لممارسة أي فعل سياسي وطني. وبالتالي، عليه حماية بلده بواسطة قواه الذاتية، عملاً بمندرجات قانون الدفاع الوطني، كما عليه حماية مؤسسات الدولة وتطويرها، والحفاظ وتطوير المرافق العامة في استمرار، كما الدفاع عن أرضه والوقوف ضد الجشع وأطماع الغرباء، وتحقيق الوحدة اللبنانية والترابط بين الشعب اللبناني وإعطاء الأولوية للغة الحوار عند أي نزاع يستجِدّ، ونبذ كل من يُشعل الفتن الداخلية والقضاء على أسبابها، كما رفع شأن الجمهورية اللبنانية بين الأمم، والحفاظ على البيئة من خلال فرض القوانين البيئية والزراعة والتحريج…
ثورة 17 تشرين تعتبر أنّ الوطنيّة هي مفهوم كبير يتغلغل في وعي الشعب اللبناني ويحرّك مشاعره ويوجّه فعله وينعكس على تصرفاته. وهنا أعني الشعب الحرّ وليس المُضلّل التابع لبعض السياسيين الذي يهتف لهم وهو على تماس مع حدّ السيف ليقطع عنقه بأيدي من يهتفون لهم.
ثورة 17 تشرين تعتبر أنّ الوطنيّة الحقّة هي فكر إنساني جوهره حب الوطن والتضامن لخيره العام. وتتجلّى الوطنية الحقّة في فكر ثورة 17 تشرين في: الدستور ـ القانون ـ الدولة السيّدة المستقلّة المزدهرة.
ثورة 17 تشرين ترفض الأمر الواقع المفروض الذي يقتصر على تبجيل بعض السياسيين وجهات حزبية ومؤسسات نبتت على ضفاف الفوضى في لبنان، وهذه الفوضى أوقعتنا في قلب المفاهيم وتحريف المعنى الدقيق للوطنيّة الحقّة وجعلتها عبودية…
ثورة 17 تشرين ترفض هذا الأسلوب الإذلالي المتمادي منذ سنين، حيث الشعب يُذلّ ويموت من دون أن يعرف ما معنى الحياة، والشعب اللبناني يعيش في مختلف أنواع الحرمان المادي والمعنوي، في حين أنّ رموز السلطة من وزراء ـ نوّاب ـ رؤساء ـ مسؤولين منتفعين، يعيشون في بذخ في القصور المُشيّدة من خزينة الدولة المغذّاة من جيوب الشعب.
ثورة 17 تشرين تعتبر أنّ المشكلة الرئيسية هي الكرامة والإنسانية، بحيث انّ الدولة القائمة حالياً يقضي فيها المواطن اللبناني حياته ويموت من دون أبسط الحقوق أو التفاتة، إنّها دولة تستغل مواطنيها وتستحوذ على ثرواتهم وحياتهم وتصادر حرياتهم وأموالهم.
ثورة 17 تشرين تستشهد بما قاله الجنرال «Giap» بطل الثورة الفيتنامية حين زار عاصمة عربية توجد فيها فصائل ثورية، فلمّا شاهد حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها قادة تلك الفصائل، وقارَنها بحياته ومع ثوار «الفيتكونغ» في الغابات الفيتنامية، قال لتلك القيادات: «من الصعب أن تنتصر ثورتكم»، سألوه لماذا؟ فأجابهم: «لأنّ الثورة والثروة لا يلتقيان، الثورة التي لا يقودها الوعي تتحوّل إلى إرهاب، والثورة التي يُغدق عليها المال تتحول إلى لصوص ومجرمين، وإذا رأيت أحداً يدّعي الثورية ويسكن في قصر ويأكل أشهى الأطباق ويعيش في رفاهية وترف، فاعلم أنّه خبيث منافق يعيش بدماء الآخرين».
ثورة 17 تشرين، وانطلاقاً من اقتناع قادتها الجُدُد الشرفاء وعلى الجانب الوطني الداخلي والخاص، بيوميات الثوّار، ستطرح القيادة السياسية الجديدة ببرنامج سياسي جديد، وهو برنامج تحقيق الرؤية الثورية، وعبره تستعيد الجمهورية رونقها وثوارها الشرفاء، بطريقة تتجاوز الكيدية القديمة التي سادت السنة الماضية، إلى المشاركة الثورية الفاعلة، وفي تناغم السياسة الخارجية مع السياسة الداخلية، حينها ستزداد ثقة المواطنين اللبنانيين بالثوّار، وفي تحقيق كرامتهم التي سيرونها تسير في طريق سليم متقدِّم مقارنة بماضٍ، حاولت سلطة جائرة القضاء عليه وعلى آمال الثوار. وللبحث صلة.