ليس مبالغاً، في التقويم التربوي، القول ان التعليم الثانوي هو القاعدة التي يبنى عليها الهيكل التعليمي، فعندما تهتز هذه المرحلة في النظام التعليمي يصبح من الصعب التعويض للانتقال الى مرحلة الجامعة. هكذا كان التعليم الثانوي في لبنان صمام الأمان، خصوصاً الرسمي، عندما كانت الثانويات الرسمية وأساتذتها تتقدم بمستواها على الخاصة التي كانت تستعين على الدوام بمعلمي الرسمي، قبل ان تهتز صورة الرسمي تدريجاً بعد الحرب. ولا يعني ذلك أن مراحل التعليم الأخرى غير ذات أهمية، إنما حلقة الترابط بين الأساسي والثانوي تعطي الأخير دوراً محورياً حقق الأساتذة من خلاله مكتسبات في الدرجات والساعات، ولم يفصلهم عن الأستاذ الجامعي سوى 6 درجات.
ويروي أساتذة في التعليم الثانوي الرسمي، أنهم يضطرون الى التعليم في ثانويات خاصة، لزيادة قدراتهم المعيشية، وهم يدرّسون الساعات التي يسمح بها القانون، ولا يخفي بعضهم، خصوصاً أولئك المتخصصين بالمواد التطبيقية أنهم يضطرون الى تعليم ساعات إضافية، متجاوزين القانون الذي لا يطبق إلا استنسابياً على حالات معينة. لكن ليست الساعات الإضافية في التعليم الخاص حلاً مستداماً، إذا نظرنا الى الحالة التي يمر بها التعليم الثانوي الرسمي وما يعانيه على مختلف المستويات، خصوصاً بعد تخلي الدولة عن واجباتها في احتضان هذا التعليم ودعمه، بالإضافة الى اللامبالاة تجاه ما يتطلبه من رعاية وحاجات بالإضافة الى دعم المعلمين والمحافظة على حقوقهم.
وإذا كان التعليم الرسمي كله يعاني إهمالاً وعدم اكتراث من الدولة، من التعليم الأساسي الى المهني فالثانوي، إلا أن الأخير له وظيفة خاصة ودور لا تعطيهما الدولة الاهتمام الكافي، في الوقت الذي ينزف هذا التعليم طاقات كبيرة كانت حققت إنجازات كبيرة، وذلك بإحالة كثيرين على التقاعد، ثم بنقل البعض الآخر الى أجهزة إدارية في وزارة التربية، من دون تأمين البدائل المناسبة بسبب إنهاء دور كلية التربية واستباحة التعاقد كل أنواع التعليم من دون أي تدريب وتهيئة مسبقة. فكيف يمكن لأستاذ متعاقد تخرّج أخيراً بلا خبرة ولا إعداد ولا تدريب أن يغطي كفاية المتخرج من كلية التربية؟ علماً أن ثانويات كثيرة في المناطق، متعاقدوها أكثر من أساتذة الملاك، وأحياناً هم الذين يديرون الثانوية. فكل ما يحصل يشير الى أن الحكومة لا تتعامل مع التعليم الثانوي، والتعليم الرسمي عموماً، على أنه يستحق الرعاية، بل تجري تصفيته بأشكال مختلفة، خصوصاً في مشاريع سلسلة الرواتب التي جعلت مراحل التعليم متساوية، وضربت مكتسبات الثانوي، من دون أن تعطي للأساسي تقدمات استثنائية، وأشعلت الصراع بين القطاعين.
المفارقة، أنه بدلاً من دعم التعليم الثانوي والأساسي الرسمي وتحصين مكاسب المعلمين، يجري تقطيع الوقت لإفراغ دور التعليم الثانوي بجراحة تعادل تصفية تاريخه وحاضره ومستقبله.