“نداء الوطن” تجول على المعابر… “أنابيب وصهاريج ومسلّحون“!
ستة مسالك غير شرعية رئيسة “فوق الأرض” تربط لبنان بسوريا من جهة محافظة بعلبك الهرمل وهي: “معبر المطربة، معبر المشرفة، معبر القصر إبش الحدودية أو المنطقة التي يتحكم بها خضر طلال ناصر الدين، معبر حوش السيد علي أو المربع الذي يتحكم به علي وجيه خير الدين، معبر خط الهرمل جرد القيطع – فنيدق مرجحين ومعبر العويشي”. أما من جهة عكّار فهي أربعة: “معبر شركة المتحدة في البقيعة، معبر قرحة، معبر حكمت العبيد ومعابر حكر الضاهري”.
كل هذه المسالك غير الشرعية لا يحتاج إقفالها سوى إلى قرار سيادي من الحكومة لا تتجرأ حتى الساعة على اتخاذه، ولتوثيق المشهد جالت “نداء الوطن” ميدانياً على النقاط المعتمدة للتهريب، حيث تسيطر مافيات التهريب المرتبطة بجهات حزبية على القسم الشرقي من الحدود البقاعية، الممتد من بلدة “حاويك” وحتى نهاية الحدود جنوباً في مزارع شبعا، أما من جهة عكار فتسيطر المافيات المرتبطة مباشرة بالنظام السوري والتي تنطلق من بلدة “القرداحة”، على غالبيتها الواقعة في الجزء الشمالي من الحدود الممتدة من بلدة “قرحة” وحتى البحر.
عشرات المهرّبين على كل معبر رئيسي، ترافقهم عناصر مسلّحة “للحماية”، وآلاف البضائع المدعومة من خزينة الدولة ومن جيب المواطن اللبناني المحروم تخرج من لبنان في ظل تهرّب حكومي من الواقع الخطير.
وبينما قدرت قيمة أنواع الوقود المهربة بحوالى 400 مليون دولار، فإن البعض بمن فيهم أصحاب محطات الغاز يقولون إن القيمة الحقيقية من المحتمل أن تكون أعلى بمرتين.
“التصوير ممنوع واحذر تعريض حياتك للخطر”، عبارة تتناقلها الألسن هنا، ولكن من يذهب إلى ضفاف نهر العاصي، يرى بأم العين عمليات تفريغ الصهاريج اللبنانية مادتي البنزين والمازوت في أنابيب مختلفة تمتد تحت الأرض “على عينك يا دولة”. وعلى كرسي مجاور من الصهاريج التي تصطف وراء بعضها البعض، يجلس مسلّحان اثنان، يلبسان الأسود ولا يبدو عليهما أنهما من الجيش اللبناني أو تابعان لأي من المؤسسات الأمن الرسمية، ويساعدان السيارات التي تصل إلى النقطة بالقول: “الطريق من هناك، هنا الطريق مقطوع”.
وبحسب أحد سائقي الصهاريج يبدو أن “هذه الأنابيب التي ضخ داخلها حمولته، محفورة في أنفاق تحت الأرض تربط لبنان بسوريا وسوريا بتركيا، يتم تهريب مشتقات النفط عبرها ويُدفع له مسبقاً من قبل تاجر نافذ” ويتابع لـ”نداء الوطن”: “شو وقفت عليي، بدأت عمليات تهريب النفط عبر الأنابيب المحفورة تحت الأراضي السورية والتركية أولاً، إذ كانت تعج بعمليات تهريب النفط التي كانت ستاراً يخفي عمليات تمويل داعش من خلال تهريب النفط، بعدها سيطر “حزب الله” عليها بالكامل وبالتعاون مع نظام الأسد طوّرها لتصل إلى لبنان وتفتح إقتصاداً للحزب من داخل الإقتصاد اللبناني وتشمل تلك العمليات بيع وشراء ملايين براميل النفط. أما العملية فيؤكد أهالي المنطقة أنها محمية من الحزب مباشرة ويشارك فيها العديد من الشركات ذات الصلة بسلاسل توزيع الوقود في الداخل اللبناني والتي تفضل بيع مشتقات الوقود إلى سوريا لمضاعفة الأرباح”.
وتابع: “في العام 2018، كانت عملية التهريب تنطلق من سوريا إلى لبنان، وذلك لبيع المنتجات المهربة في لبنان وتحديداً المناطق البقاعية، مع وجود ما يقارب الـ1500 محطة بنزين تعمل من دون ترخيص ويؤكد أصحابها أنهم محسوبون على “حزب الله”، وكنا نوزع البنزين والمازوت السوري عليها للتصريف. أما اليوم ومع تهاوي سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار فيتم الموضوع بالاتجاه المعاكس بخاصة أن الربح الصافي يفوق نسبة الـ100% اذ إن سعر 20 ليتراً من المازوت في لبنان هو 9100 ليرة لبنانية بينما في سوريا يصل إلى 22000 ليرة لبنانية والسوق السورية تستقبل المازوت والبنزين اللبناني المدعوم بترحيب، بخاصة مع دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ والتضييق الإقتصادي على سوريا”.
وأردف: “كما تم تطوير وتحديث هذه الأنفاق حتى أنها امتدت لنحو ثلاثة كيلومترات من جهة لبنان وتصل إلى الجانب الآخر إذ يسيطر “حزب الله” على كلا الطرفين”، وأضاف: “لكن هي ليست النقطة الوحيدة التي يوجد فيها أنابيب تحت الأرض، بل هناك أكثر من عشر نقاط “تحت الأرض” للتهريب وقد أخبرونا أنه سيتم تركيب أخرى في ما لو أُقفلت. كما قام الجيش اللبناني بفكفكة بعضها في الآونة الأخيرة بشكل سري، ولكن لم يتوقف التهريب، وتم حفر ومد أنابيب أخرى”.
الاحتكار النفطي
بعد انتهاء الحرب الأهلية، تنازلت السلطة اللبنانية، بعد ضم الميليشيات إليها، عن حقها الحصري في استيراد المشتقات النفطية وتم تخصيص استيراد المشتقات النفطية وتدمير محطات التكرير في طرابلس والزهراني وتأجير خزانات النفط للقطاع الخاص. ومنذ ذلك الحين ارتفعت أسعار المشتقات النفطية، نتيجة تكوين “احتكار نفطي” بين الشركات المستوردة والمحمية أو المملوكة من قبل بعض قادة الطوائف، بأضعاف ارتفاع ثمن النفط الخام وبقيت الخزينة اللبنانية تتحمل رواتب موظفي وعمال محطات التكرير المتوقفة عن العمل.
هذا الإحتكار النفطي يدفع حصصاً مقطوعة من ريوع الإحتكار إلى بعض كبار النافذين في السلطة، وتحوّل من محتكر إلى مشارك في التهريب إلى سوريا. فبعد تسليط الضوء على المعابر لا بد من الإشارة إلى روّاد التهريب “الكبار” من الشركات المحتكرة. فسائق الصهريج الذي التقته “نداء الوطن” ليس المهرب الحقيقي بل هو مجرد سائق و”عسكر شطرنج” يفدي “الملك” وكبار أحجار اللعبة بلحمه الحي.
وبحسب الموجودين في المنطقة، يشاهدون بشكل يومي صهاريج عليها أسماء شركات مرموقة كـ”مرجان أويل” و”ليكويغاز” و”كورال”، كما يتهامس البعض عن ضلوع “ميدكو” في عشرات المناقصات الثابتة التي كانت تربحها بـ”قدرة قادر” كل سنة. فبحسب أحد المصادر المتابعة لهذا الملف، منذ سنة 2008 حتى العام 2018، اشترى الجيش المازوت والبنزين ووقود الطائرات من خلال المناقصات السنوية التي فازت بها شركة “ميدكو” بشكل متواصل، كل عام، لمدة 10 سنوات متتالية.
أما في كانون الثاني 2019، فوقع الجيش اللبناني عقداً مباشراً مع مديرية المنشآت النفطية لشراء المازوت من دون التوجه نحو “ميدكو” وتمكن الجيش اللبناني من خفض تكلفة فاتورة الوقود بنسبة 20%، ووفر مبلغ 2 مليون دولار من فاتورة الوقود السنوية. وقد حفز ذلك قيادة الجيش للدخول في مفاوضات مع مديرية المنشآت النفطية، من أجل التعاقد معها لتوريد مادة البنزين أيضاً كون استهلاك الجيش من الديزل يصل إلى 15000 طن سنوياً، واستهلاكه من البنزين يصل إلى 45000 طن وفي ما لو فعلاً تمّ الأمر، كان سيسمح للجيش بتوفير ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف المبلغ الذي يدفعه، ولكن حتى اليوم بقيت “ميدكو” هي المورد الوحيد للبنزين.
كل ذلك غيض من فيض مما في سياسات البلد من توجه نحو تأمين مصالح الشركات الخاصة ولو على حساب مصلحة الخزينة ومصلحة قطاعات الإقتصاد المستهلكة لمشتقات النفط.
فلا فرق بين حرية التحكم في السوق لشركات احتكارية كبيرة وبين التهريب، كون الإثنين وجهين لعملة واحدة تقصم ظهر المواطن اللبناني وتستغله. وبالتالي ما المانع في أن يكون “كارتيل النفط” متواطئاً مع “مافيا التهريب”؟
تهريب القمح “عالأبواب”
لم تفشل الحكومات المتعاقبة في حل مشكلات بدائية مثل مسائل النفايات والمياه والكهرباء والإتصالات وأزمة السير فقط، بل فشلت في ضبط الحدود منعاً للتهريب المنظم للمواد واستفادة مرجعيات عدة من التهريب إلا الدولة اللبنانية، وعلى العكس يحرم لبنان من العملة الصعبة ويزيد الضغط على الليرة اللبنانية، إذ إن ثمن البضائع المهربة من مشتقات نفطية وطحين وأدوية يتم دفعه بالدولار الاميركي من قبل المصرف المركزي.
ويشرح أحد أبناء البقاع لـ”نداء الوطن” كيف يضطر أغلب أبناء الضيع الملاصقة للحدود السورية للعمل “في مجال التهريب ولكن على نطاق صغير، من المازوت إلى الأدوية والطحين، أما المهربون الكبار فمعروفون بالإسم وهم من عائلات معروفة في المنطقة”.
وأضاف: “لن يتوقف الأمر عند الطحين والدواء والأبقار والحليب، بل سيمتد إلى تهريب كل محصول القمح وهو 70 طناً، إلى سوريا في الأيام المقبلة هذا الأسبوع، ويمكنكم المراقبة كيف أن هناك تاجرَين “س. صلح وخ. شومان” إشتريا كل المحصول لتهريبه بالكامل، أما المسؤولون فيغضون الطرف عما يجري ولا يراقبون محاصيل المزارعين ولا يقدمون حلاً لتصريفها، وبالتالي يتجه المزارع المُهمل والمحروم إلى سوق آخر ولو كان مضراً بالإقتصاد”.