“عقدة الذكر” التي أطاحت بالحالة العونية
حرس وقديم. ممتاز. لكن، ماذا يُقصد بالحرس العوني القديم؟ هم يعرّفون عن أنفسهم بعبارة: “نحن جيل عون، جيل الحرية والسيادة والإستقلال، نحن حرّاس القضيّة”. ممتاز. لكن، ممن يتشكلون عملياً ما دام كثير كثير من “العونيين” لا يعرفون عنهم شيئاً؟ هم يرددون: “ما إلنا أسامي ولا مناصب”. ممتاز، لكن هل يحق لهم أن يلعبوا دور “وطاويط الليل” بلا أسماء تحت عنوان “فرض العدالة العونية”؟
حين رفعت القوات اللبنانية شعار “ما بينعسوا الحراس” ضحك “العونيون” كثيراً وراحوا يحيكون النكات والقصص والخبريات الى أن أطلوا هم أنفسهم باسم: “الحرس القديم”. وإذا كان المقصود من حراس القوات السهر على القضية والمصير فماذا عن قضية و”مسار ومصير” بعض من ينشطون تحت إسم “الحرس القديم”؟
فلنسأل الصحافي يوسف الأندري، الذي شغل منصب المستشار الإعلامي للعماد ميشال عون أيام الحكومة الإنتقالية. ويعرف الجنرال منذ ستينات القرن الماضي. يقول الأندري: “هناك الرعيل الأول، ويتشكل من مناضلين عونيين قدامى، ويوم كنتُ أكتب بنفسي المناشير كانوا يوزعونها ليلاً ويتعرّضون الى الملاحقة والضرب والسجن. بُني التيار على ظهور هؤلاء. لكن، لم يكن هناك إسم “حرس قديم” وكنت حين أسأل الجنرال: لماذا لا تعمل على إنشاء حزب؟ يجيبني: سيسهل، إذا فعلتُ ذلك، إختراقكم. وسيكثر الطامحون الى المناصب والمراتب والمواقع”.
عنصرية!
كان يا ما كان لكن، حين عاد الجنرال من منفاه ودخل العمل السياسي كان لا بُدّ من “كودرة العونيين”، خصوصاً أيام الإنتخابات النيابية وكان هناك كثير منهم يعتقدون أنفسهم مؤهلين ليكونوا نواباً لكن “الحبوس ما بتساع كل الناس” والتيار لم يتمكن أن “يسع كل الناس” خصوصاً مع “جبروت” جبران (جبران باسيل) الذي أزاح من اراد وأتى بمن أراد. فأصبح هناك رعيل أول عوني معترض و”عونيون جدد”.
هناك كلام يُحكى في السرّ وهناك كلام يُفترض برأي “العونيين” ألا يُحكى. نجول على “عونيين” قدامى بحثاً عن أصل وفصل “وطاويط الليل” ممن لا يستحقون صفة “الرعيل الأول”؟
حركة بلا جذور
مقرّب من الرئيس ميشال عون حين كان “جنرالاً” يقول: ولدت خبرية الحرس القديم من مجرد أفراد لا مجموعات، غير متوافقين على خط سياسي واحد، إنطلقوا من مظلة أفكار ميشال عون، وما عدا ذلك لا خطاب موحد يجمعهم إلا “نهل” بعض الشعارات من نبع ميشال عون، والحركة السياسية التي أنشؤوها بلا جذور. كل ما سمعناهم يتحدثون عنه هو “تصحيح مسار”. في كل حال، من يؤمنون حقاً بمبادئ ميشال عون وقيَمه، بحسب المقرب منه، لا يمكنهم أن يتكلموا تحت عنوان “وطاويط الليل”. هناك من يُحرك هؤلاء غير ميشال عون”.
تُرى من يفعل هذا؟ هم يقولون انهم غير راضين عن أداء جبران باسيل فهل علينا أن نحذف فرضية أن يكون هو من يُحركهم؟
كثيرون من الرعيل الأول أداروا ظهورهم وغادروا. وهناك، قلة، ممن كانوا ينشطون في تسعينات القرن الماضي، من خلال القيام باعتداءات فاقعة عادوا اليوم إليها، تحت مسمى جديد. فرأيناهم يلصقون صور الجنرال على باب من يعترض على تصرف ميشال عون مثلما فعلوا مع الممثل أسعد رشدان، وهو ما فعلوه في العام 1989 يوم علقوا صور الجنرال على كرسي بكركي. ألا تتذكرون؟
هؤلاء، الذين سموا حديثاً أنفسهم الحرس القديم، أخرجوا “عدة الشغل” القديمة من المطبخ القديم وراحوا يعبثون مثل “وطاويط الليل” ويقومون بإلصاق الصور وزراعة شجرة هنا ويقومون بحراك هناك بأسلوب فيه من السخافة الكثير. مثلهم مثل التاجر الذي يفلفش حين “يُفلس” في دفاتره القديمة لعله يجد شيئاً قيّماً فيها. ألم تسمعوا بمقولة: التاجر المفلس يفتح الدفاتر العتيقة؟ ويتذكر العوني القديم أسلوب هؤلاء من زمان حين ألبسوا رقيب أول في الجيش اللبناني ثياب شيخ مزورين هويته. مثل هذا الأسلوب كان “يقطع” في العامين 1989 و1990 لا في السنة 2021. خصوصاً أن اليوم، كل من كانوا مع عون من أسماء يُركن إليها مثل شامل روكز وجورج خميس وعادل ساسين وفؤاد الأشقر وسمير كلاس وسواهم غادروا.
سؤالٌ يُطرح: هل يمكن أن يكون ميشال عون راضياً عن حراك من يسمون أنفسهم “الحرس القديم”؟ يجيب العوني السابق: “العماد ميشال عون أصبح منذ لحظة دخوله الى القصر الجمهوري “مخدّراً”، لا يعي تفاصيل ما يحدث خارجه، والهاجس الأساسي الذي يعيشه هو كيفية إيصال جبران الى القصر”. لكن، يُقال ان هؤلاء يعترضون على أسلوب جبران؟ يجيب العوني القديم “لا، لا أظن ذلك فجميعهم يدورون في نفس الفلك مع جبران. إنهم جزء من الفذلكة الجبرانية، هو بحاجة اليوم إليهم، خصوصاً مع انقراض الأسماء التي تدغدغ المشاعر العونية لذا استخدموا شعار “الحرس القديم” ليشحذوا الهمم ويستميلوا بعض بقايا العونيين”.
نيو باسيلية
ما رأي بسام خضر آغا الذي خرج من العباءة العونية من زمان، منذ العام 2006، وهو من “الرعيل الأول”؟ يجيب: لا أعرف كل من ينشطون تحت عنوان “الحرس القديم” ويشرح: “انتهت الحالة العونية وما نراه “نيو باسيلية”. جبران لم يترك أحداً من العونيين الحقيقيين حتى من لم يعجبه حتى شكله. هو أناني يحب نفسه ولا احد آخر. ونجح في السيطرة على التيار العوني. حتى نواب التيار حالياً لهم اعتراضات جمة عليه مثل شامل روكز وناجي غاريوس وابراهيم كنعان وسيمون أبو رميا وحتى آلان عون. وأجزم أن بعد عمر طويل لميشال عون لن يبقى شيء إسمه تيار. بدليل أن التيار “فلت” منذ اليوم من يد ميشال عون بعدما باع العونيين الأحقاء من أجل صهره، ولذلك أسباب اختبرتها بنفسي وهي عقدة يعاني منها الجنرال تتمثل “بالذكر المفقود” في بيته فلاقاه في جبران باسيل. وهنا يتذكر آغا حادثة حصلت في العام 2000. يوم سافر الى فرنسا برفقة اللواء نديم لطيف للمشاركة في الخلوة السنوية. يومها بدا عون غاضباً جداً وقال للموجودين: “أنتم يا “عكار..” تريدون أن تصبحوا نواباً؟”. ولكثرة غضبه بحّ صوته و”سعل” كثيراً فهرول نحوه نعيم عون واعطاه كوب ماء. وعند الغداء جلس الجميع بعيدين خشية أن يصبّ جام غضبه مجدداً عليهم. فنظر عون الى آغا ودعاه الى الإقتراب منه وقال له: لست أنت المقصود بما قلته. فردّ عليه آغا: لم أفهم ما تقصد؟ فأجابه عون: “المسيحيون يا رجل لا يستطيعون رؤية جبران متمماً أمراً جيداً إلا ويعترضون عليه. إنهم يخشون منه. إنه عقدتهم”. يومها أدرك آغا وجود عقدة “الذكر المفقود” لدى ميشال عون التي جعلته يبيع أنصاره الحقيقيين ويجعلهم يدفعون الثمن هم والمناطق المسيحية من أجل جبران باسيل.
هذا ما حصل من زمان و”اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”. ماذا الآن؟ ماذا عن الحرس القديم؟ يجيب آغا: “هذه الحركة مجرد “همروجة” حدودها “السوشال ميديا” ولا شيء أكثر من ذلك. وأنا أشك حتى بانتمائهم. ويستطرد بالقول: لا أستبعد ان يكون جبران هو من ورائها. ويتذكر: “يوم أسسنا مع إيلي محفوض “حركة التغيير” تحت عباءة الحالة العونية واعتقل الأخير وحولوه الى المحكمة العسكرية عند نصري لحود، إعتبره الجنرال لعبة بيد المخابرات. فأرسل ورائي وطلب مني ان أقوم بانقلاب على محفوض. كان الجنرال يحرض الناس على بعضها. كان يطلب شيئاً من ايلي محفوض ويطلب نقيضه من نديم لطيف. كان يشتغل بنا. كان يوزع الأدوار ونحن أحجار دومينو”.
آغا اسس لاحقاً “الحركة اللبنانية الحرة” وهو الذي وقّع الميثاق العوني ووقّع على الميثاق والمبادئ في الكتاب البرتقالي. ويقول: “أنا أتهم الجنرال بالخيانة العظمى”.
عبدالله خوري يرفض ان يقال عنه “عوني سابق” لكنه مشى فترة طويلة مع ميشال عون. هو مناضل يقول: “اكتشفتُ في العام 2013 علاقته مع النظام السوري، من خلال مسار فايز قزي بين بشار الأسد وباريس. وها إني أسمع حالياً بالحرس القديم. حرس على شو؟ غنمة؟ هناك شيء في المفهوم السياسي هو “القطيع”. هؤلاء دمروا المسيحيين. هؤلاء ألّهوا عون ويحكون عن عجائب يقوم بها. أصحاب المبادئ الحقيقيون غادروا ومن بقي هم أصحاب المصالح”. ويستطرد: “أنا قلت لميشال عون مباشرة في العام 2004: إذا كنت تعتبر نفسك صنماً تُعبد فهذا لا ينطبق عليّ. نحن لا نعبده اما من يسمون أنفسهم كذلك فهم ينشطون تحت عنوان: تأليه ميشال عون ويدينون بالولاء، من تحت الطاولة، الى جبران باسيل الذي يستمد أوكسيجين وجوده من “حزب الله”. ونحن ندرك تماماً الآن أن الجسم المسيحي ليس عند هؤلاء بل عند من انتفضوا في نهر الكلب. المسيحيون هم من لا يساومون”.
يبدو عبدالله خوري الذي مكث ضمن الحالة العونية بين العامين 1993 و2000 غاضباً جداً ويقول: “ما أدراكم من هو ميشال عون؟ هو من قطع العمود الفقري للموارنة وضرب الجيش اللبناني الذي هو القوة المطمئنة للمسيحيين”. ويستطرد: “قيل لي انني متهم بأني ساهمت في اختراع الوحش ورميته في وجه المسيحيين فأجبت: أنا متهم أني نظمت الوحش الذي، بتجاوزاتكم في المجتمع المسيحي، اخترعتموه. فالرجل يمتشق الخطاب المسيحي ليستقوي على الآخرين. أما الحرس القديم فشيك بلا رصيد وحرام تضييع الوقت بالكلام عنهم”.
نبحث عن الحرس القديم الذي يفترض أنه مكوّن من جماعة تعترض على جبران فيسطع إسم جبران. فمن وراء هذا الحرس هو جبران نفسه. ويتذكر عوني أيام زمان، أيام أمين الجميل، الذي كان يلتقي ميشال عون كل نهار خميس. وكان الخميس يسمى “الخميس الأسود” لأن الخلافات بين الرجلين كانت تظهر قوية إثر كل إجتماع. وكان ميشال عون حينها يطل بأمر اليوم ويتوجه الى اللبنانيين بالقول: “أيها اللبنانيون” فيقول له أمين الجميل: “شو مفكر حالك رئيس؟”. الشيخ أمين كان “نقزاناً” من ميشال عون “ويوم قرر المغادرة بعدما عجز عن التجديد والتمديد رمى كرة النار بين يدي ميشال عون”.
الحرس القديم عبارة فضفاضة لا قيمة لها. هي مجرد سيناريو آخر بيد جبران باسيل. فلا تضيعوا وقتكم بها بل ابحثوا ما وراءها.