كانت المرة الاخيرة التي زرت فيها مسقط سنة ٢٠٠٣، ثم انقطعت عن زيارتها ابتداء من عام ٢٠٠٤ مع اشتعال حدة المعركة السياسية – الامنية في لبنان حول الاحتلال السوري للبلاد. ثم بدأت مرحلة الاغتيالات وذروتها اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط ٢٠٠٥ حيث صار الاهتمام مركزا على المعركة الكبرى في لبنان، اولا لاخراج نظام بشار الاسد، ثم لاسقاط النظام الامني اللبناني الملحق بالمخابرات السورية.
قبل شهر جاءتني دعوة من وزير الاعلام العماني لحضور فعاليات انتخابات مجلس الشورى العماني في دورته الثامنة، وتحمست كثيرا للزيارة لسببين: الاول اني احب هذا البلد واهله وطبيعته وطباعهم، والثاني اني كنت في الاصل متابعا منذ تسعينات القرن الماضي للتطور السياسي والتنموي في السلطنة، والذي كان اطلقه رئيس البلاد السلطان قابوس بمسار متدرج وهادئ ميّز سلطنة عمان عن بقية شقيقاتها في الخليج، حيث انتهج سياسة مزجت بين قرار التطوير والتقدم وسياسة الخطوة خطوة والتدرج المدروس في تنفيذ خطوات كبيرة اقدم عليها السلطان منذ توليه السلطة في مطلع السبعينات من القرن الماضي.
قبل الحديث عن انتخابات مجلس الشورى الذي يعتبر الهيئة التشريعية الاساسية في البلاد، لا بد من ان اقول اني اعتبر ان هذه البلاد التي تمتلك تاريخا قديما وطويلا كانت عشية تولي قابوس الحكم شبه بلد واقل من دولة بالمعنى التقني. قابوس الحاكم الذي عرف عنه انه يؤثر الصمت على كثرة الخطب والاطلالات الاعلامية او الدعائية، صنع من عمان بلدا ودولة بامكانات محدودة، مقارنة بأقرانه في مجلس التعاون الخليجي. هذه حقيقة يتفق عليها كل من تابعوا مسيرة سلطنة عمان منذ ١٩٧٠ الى الآن.
من جملة المؤسسات التي ارساها السلطان قابوس مجلس الشورى، وهو بمثابة مجلس نواب الامة، يمتلك سلطات تشريعية كبيرة، فضلا عن سلطات رقابية في الجوانب الاقتصادية والخدماتية والمعيشية للمواطنين. هو مؤلف من خمسة وثمانين عضوا، ينتخبهم نظريا اكثر من ستمئة الف مواطن مسجلين في سجلات الناخبين، وموزعين على احدى وستين ولاية. وللمرأة حقوق الرجل نفسها في الترشح والتصويت، اي حقوق كاملة. وقد لفتني ان المقترع يتقدم وفق بطاقة الهوية الممغنطة، ثم يصوت. وما لفتني أكثر خلال جولة على بعض مراكز الاقتراع أن اقلام السيدات كانت مزدحمة اكثر من الرجال في ساعات الصباح الاولى، وبدت النساء متحمسات للمشاركة، لكن كل هذه الحماسة لم تفد منها سوى سيدة واحدة فازت من اصل خمسة وثمانين عضوا فائزا.
كانت سياسة الخطوة خطوة التي اتبعها السلطان قابوس ضمان استقرار واستيعاب للتطور مدة اربعة عقود، ومن هنا وصف هذه البلاد بالهادئة على عكس ما يوصف به عالمنا العربي من اقصاه الى اقصاه. الاستثناء العماني؟