Site icon IMLebanon

الحل الوحيد مع طهران بالدعم الجدي للمعارضة الإيرانية!

 

في كل مقررات وبيانات «قمم» مكة المكرمة الثلاث أبدى العرب والمسلمون رغبة حقيقية في علاقات أخوة حقيقية مع إيران وبالطبع من دون الإشارة إلى ضرورة أن تكون بعيدة عن إرث الدولة «الصفوية» الذي مثْله مثْل هذه المرحلة «الخمينية» فيه الكثير من المنغصات، وتأكيد ضرورة أن يكون الاستناد إلى هذه الرغبة الحقيقية والطموح الجدي هو التاريخ الحضاري المشترك الذي ساد لعقود طويلة وهو الثقافة الغنية التي كانت محصلة تلاقي وتداخل الثقافتين العظيمتين؛ الثقافة العربية والثقافة الفارسية، التي كانت ولا تزال تعد من أهم وأرقى الحضارات الكونية كلها حتى بما في ذلك الحضارة الإغريقية وأيضاً الحضارة الصينية.

ويقيناً إن العرب، إنْ ليس كلهم فمعظمهم، كانوا أكثر فرحة وحبوراً بانتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 حتى من الإيرانيين أنفسهم وإنهم كانوا الأكثر امتعاضاً من إبعاد الخميني عن العراق، وهذا ينطبق على «سنتهم» أكثر من «شيعتهم»، وأذْكر أن بيروت الغربية التي كانت «حوزة» أهل السنة ومركز المقاومة الفلسطينية قد أقامت الأفراح والليالي الملاح بذلك «التغيير» الإيراني الذي تجاوزت شعبيته شعبية عبد الناصر في ذروة تألقه وحيث إن إذاعة «صوت فلسطين» استمرت تصدح بنشيد غنائي إحدى «وصلاته» تقول: هبَّت رياح الخميني… أو كان ياما كان…!

وكان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، الذي كانت التهديدات المتعددة «المحلية» منها والعربية أيضاً وهذا بالإضافة إلى الإسرائيلية بالطبع تضغط عليه لإخراجه مع قواته من الجنوب اللبناني تحديداً، قد بادر إلى الاستعداد للذهاب إلى طهران على الفور أولاً لاستطلاع ذلك الوضع الجديد وثانياً لتهنئة قائد هذه الثورة التي كانت قد جاءت كزلزال في هذه المنطقة كلها والذي كانت حركة «فتح» قد أقامت معه علاقات مبكرة وحيث كان قد أصدر «فتوى» بضرورة إعطاء «الزكاة» للفلسطينيين ولثورتهم التي وصفها بأنها حركة «جهادية».

في طهران التي كان قد وصلها بطائرة سورية والتي عاد منها بطائرة الشيخ زايد آل نهيان، الخاصة، رحمه الله الرحمة الواسعة، لم يتردد (أبو عمار) عندما عرض عليه «المضيفون» الذهاب إلى عربستان وذلك رغم أنه كانت ولا تزال هناك محاذير كثيرة بالنسبة إلى هذا الأمر، وحقيقةً إنّ عرب «الأحواز» العربية المحتلة كانوا أكثر «حماساً» لهذه الثورة ولقائدها حتى من الفرس ومن المكونات القومية الأخرى للدولة الإيرانية؛ فهم كانوا قد ظنوا أن أيام «الفرج» قد اقتربت، لكنّ آمالهم هذه ما لبثت أن أُصيبت بانتكاسة هائلة وأنه بالنسبة إليهم لا فرق بين القديم والجديد وقد أثبتت السنوات اللاحقة منذ البدايات وحتى الآن أن «الخلَّ أخو الخردل» وأنه لا فرق بين من يعتمر بالعمامة السوداء وبين شاه إيران.

والمهم أن (أبو عمار) في تلك الزيارة، التي كانت في حقيقة الأمر زيارة عربية أكثر منها فلسطينية، قد عرض على الخميني، الذي كان قد حوَّل مدرسة «علوي» إلى مركز قيادي له، همْساً بضرورة أن تتخلى إيران الجديدة «الواعدة» عن الجزر الإماراتية الثلاث «أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى» كـ«عربون» أخوّة مع دولة الإمارات وشعبها ومع الأمة العربية كلها… لكن المفاجأة كانت عندما انفجر، أي الخميني، قائلاً: «لا، أبداً… إن هذه الجزر إيرانية وهي ستبقى إيرانية»، فما كان من ياسر عرفات إلا أن أُصيب بخيبة أمل فعلية وأدرك كما أبلَغَنا، وكنت أحد الذين رافقوه في تلك الزيارة وفي مقدمتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمدّ الله في عمره، بأنه لا ضرورة للمراهنة أكثر من اللزوم على تلك الثورة.

وحقيقةً إن إيران كانت ولا تزال الأكثر تأثراً بالثقافة والحضارة العربية من كل الذين جمعهم الدين الإسلامي العظيم بالعرب، والدليل هو أن اللغة الفارسية أو الإيرانية لا تزال رغم عمليات «التطهير» المتلاحقة إنْ في العهد الشاهنشاهي وإنْ في عهد هذه الثورة الخمينية لا تزال يغلب عليها الطابع العربي وفي كل شيء إنْ في التعامل اليومي وإنْ في المجالات العلمية والسياسية والثقافية.

والدليل هو أنَّ حتى أسماء الصواريخ الإيرانية كلها عربية، وهذا مع أن هروب الإيرانيين من «تاريخهم العربي» هو الآن في ذروته، فهناك الصاروخ «زلزال» و«فاتح» و«شهاب» و«فجر» و«سجِّيل» والـ«خليج» و«عاشوراء» و«سومار» و«ميثاق» و«طوفان» و«رعد» و«نور» و«مرصاد» و«زهراء»!

وعليه فإن ما لا يزال يتذكره البعض هو أن الرهان على ثورة إيران الخمينية قد استمر لدى بعض العرب، إنْ دولاً وإن أحزاباً، حتى خلال حرب الأعوام الثمانية العراقية – الإيرانية، وإنّ الأمور لم تتغير بالنسبة إلى الأكثرية العربية إلاّ بعدما تفاقم التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية وبعدما بات الإيرانيون يفاخرون بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية وبعد أن أصبحت لدولة الولي الفقيه جيوش جرارة متعددة الأسماء والعناوين إنْ في سوريا وإنْ في لبنان وإنْ في اليمن وفي غزة أيضاً… وبالطبع في العراق.

والمعروف أن طهران قد بادرت إلى استبدال استراتيجية التمدد في العديد من الدول العربية وتحت مسمى التشكيلات الطائفية والمذهبية المعروفة التي غدت بمثابة دويلات مسلحة، باستراتيجيتها السابقة.. «استراتيجية» الحروب والصدامات العسكرية المباشرة، وكل هذا مع محاولات العودة إلى المفاهيم و«التطلعات الصفوية». ولعل ما أثار مخاوف فعلية كثيرة في هذا الاتجاه أنه ثبت أن إيران لم تتردد في التزود بأسلحة إسرائيلية خلال حرب الأعوام الثمانية مع العراق، وأنَّ مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قد قال في تصريح معلن قبل نحو شهرين إن بشار الأسد قد طلب منه أن يبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إقامة دولة عَلَوية في سوريا لن يشكّل أي خطر على إسرائيل!

ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن أميركا لو أرادت إسقاط النظام الإيراني، والمعروف أن الرئيس دونالد ترمب قد نفى أنها تريد إسقاطه، لَمَا لجأت إلى كل هذه الاستعراضات العسكرية في الخليج العربي ولَبادرت إلى إسناد المعارضة الإيرانية المتمثلة في «مجاهدين خلق» وفي العديد من الأقليات القومية كالعرب والأكراد والبلوش و«اللور»، هذا بالإضافة إلى الأكثرية الصامتة التي هناك ليس تقديرات فقط لا بل معلومات مؤكدة بأن هناك الآن تململاً داخلياً إيرانياً فعلياًّ وحقيقياً بينها، وأن أكبر خطر على هذا التململ وأيضاً على التشكيلات المعارضة كلها هو أن تلجأ الولايات المتحدة إلى حرب تلفزيونية ضد إيران؛ فهذا إنْ هو تم وجرى بالفعل فإنه سيؤدي إلى التفاف شعبي وإنْ مؤقتاً حول النظام الإيراني… وهناك تجارب كثيرة ومعروفة في هذا المجال.

إن المطلوب إذا كانت الولايات المتحدة جادة في إسقاط هذا النظام الإيراني، وهذا خلافاً لما قاله ترمب وأكده، هو أن تبادر عملياً وفعلياً إلى دعم المعارضة السورية بكل تشكيلاتها لإخراج الإيرانيين من هذا البلد العربي، وذلك لأن المؤكد أن إخراجهم منه سيؤدي إلى إسقاط نظام بشار الأسد وسيفرض عليهم الخروج من العراق ومن لبنان وأيضاً من اليمن ومن هذه المنطقة كلها.

وهكذا وفي النهاية فإنه على الأميركيين أن يدركوا أن الاستمرار بكل هذه التحركات العسكرية الاستعراضية ومواصلة التلويح بمجرد القبضات الفارغة سيعزز مقدرة نظام الملالي على تثبيت تدخلاته في بعض دول هذه المنطقة والانتقال منها للتدخل في دول أخرى، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن ما أطلقه ترمب من تصريحات «استنكافية» قد جعلت النظام الإيراني يلتقط أنفاسه، والمعروف أن هناك مثلاً عربياً يقول: «الضربة التي لا تميتني تقوِّيني»… وهذا هو ما يحصل الآن وللأسف.