Site icon IMLebanon

الرابح الوحيد هو حزب الله!

 

بعد حادثة البساتين ولقاء بعبدا المفاجئ الذي أعاد مجلس الوزراء إلى الإنعقاد بعد أربعين يوما من التعطيل، انبرى الجميع إلى تقييم ما حدث وإلى مقاربات قاصرة وغير موضوعية تعكس مصلحة هذا أو ذاك من الأطراف لتصويره كمنتصر.

 

حان الوقت لقراءة موضوعية استراتيجية لاتجاه الأوضاع في لبنان بعيدا من التشويه الحدثي لقراءته.

 

في البداية، لا بد من الملاحظة أن ثمة تقاطعاً واضحاً بين مقولة السيد حسن نصر الله أن الدولة اللبنانية ليست دولة حزب الله مع موقف أصحاب «التسوية» معه، الحريري وجعجع وإلى حد جنبلاط.

 

فما هي مبررات هذا الموقف لدى كل طرف وما هي مصلحته في «التسوية»؟

 

حزب الله لا يريد أن يحمل حاضرا ومستقبلا مسؤولية انهيارات الوضع السياسي والإقتصادي والمالي ونتائج الفساد الذي يشارك فيه مع باقي أطراف الحكومة قاطبة، بل أن يلقي اللوم على من قبل بمشاركة دونية معه في السلطة.

 

وهو بحاجة إلى مشاركة «أصدقاء» أميركا والسعودية في الحكومة، لكي يشكلوا له منطقة عازلة  تقيه استهدافات الخارج المعادي لإيران وله في لبنان.

 

كما هو بحاجة أن يحافظ على مصداقيتهم لدى هذا الخارج وعلى شعبيتهم لدى جمهورهم، لكي يتمكنوا من القيام بهذا الدور. لذا، لا يبدي أي حرج حين يأخذ هذا الطرف أو ذاك موقفا سياديا لأن من شأن مواقف من هذا النوع أن تسمح له أن يحافظ على شعبيته في الداخل ومصداقيته لدى الخارج، طالما أن هذا الكلام لا يترجم بأفعال ضد نفوذه داخل السلطة ولا تأثير له على أنشطته في الإقليم.

 

أما أصحاب «التسوية»، فيروجون لجدوى «المعارضة من الداخل» وعدم السماح لحزب الله وأتباعه ان يستأثروا بالسلطة، ويتوهمون ويوهمون الناس أنهم أقاموا  توازنا في داخل الحكومة بالرغم من إختلال الموازين الإقليمية واللبنانية لصالح حزب الله أقله حتى الآن، ويتحدثون عن عقد نزاع والنأي بالنفس والواقعية السياسية والبراغماتية وعدم التهور، ويعتبرون أن خلاف موقفهم الحكيم هذا تقع الفتنة والعودة إلى الحرب الأهلية (كأنه لا إمكانية لمعارضة سلمية على مثال ما حدث في مرحلة الإحتلال السوري). أما المبرر الأساسي لمشاركتهم في الحكومة، فهو الضرورة الماسة لها لمعالجة الوضع الإقتصادي والمالي الذي هو على حافة الإنهيار، علما أن مشاركتهم في الحكومة لم تجد نفعا حتى الآن ولن تجدي نفعا في المستقبل.

 

هذا في الشكل، أما في الواقع فيسعى كل من الثلاثي الحريري، جنبلاط، جعجع، لتأمين حصته من السلطة والمال.

 

يحاول جنبلاط الإبقاء على قدر معقول من حصته في السلطة والمحافظة على وضعيته المميزة في الطائفة بعد أن فقد وضعيته كبيضة قبان.

 

يحاول الحريري الإبقاء على رئاسة الحكومة التي أمنتها له «التسوية» طوال رئاسة عون ويطمح إلى تمديد هذه المعادلة بفترة رئاسة باسيل (المرشح الفعلي لحزب الله لرئاسة الجمهورية).

 

يريد جعجع الحفاظ على حصته في السلطة ويطمح إلى رئاسة الجمهورية ويعتقد خطأ أنه حتى في حال خسرت إيران المواجهة مع أميركا، سوف يحافظ حزب الله على قدر من القوة لا يمكنه من وضع فيتو على ترشحه على الرئاسة، كما يعتقد أن الوضع متجه إلى مفاوضات ما بين أميركا وإيران. هذا ما يفسر مسايرته للحزب.

 

وفي مطلق الأحوال، يعتبر الثلاثي أن الوضع ضبابي في الإقليم أقله في هذه المرحلة. لذا، لا حاجة لاتخاذ المواقف الحاسمة مسبقا. فإذا مالت الدفة ضد إيران، نتصدر الموقف السيادي ونعود ظافرين إلى السلطة ونعيد الأخطاء التي إرتكبناها منذ بدايات الـ2005 والتي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه.

 

أما إذا ظلت إيران في وضع المسيطر في الإقليم، نكون أمّنا حصتنا في السلطة والمال حاضرا ومستقبلا من خلال مسايرتنا لحزب الله. والسؤال هو هل سيقبل حينها الحزب بمشاركتهم حتى الدونية في السلطة؟؟!!

 

أما بالنسبة لحادثة البساتين، لا شك أنه كان بمقدور حزب الله توقع حدوث إخلال ما في الوضع الأمني في منطقة عاليه إثر زيارة باسيل المستفزة لها. ولكن لم يفعل شيئا لتداركها.

 

منذ اللحظة الأولى لحدوثها، أعلنت أنها رسالة من حزب الله إلى من يعنيهم الأمر بأن ورقة الإستقرار الأمني والسياسي في لبنان هي في يده. جاءت هذه الرسالة إثر ارتفاع منسوب حدة الصراع بين أميركا وإيران وشكلت أول استخدام إيراني مباشر لحزب الله فيه.

 

كما أعلنت في حينها أن حزب الله سوف يتكفل بإنهائها تماما كما انتهت بإبلاغ كلمة السر للمعنيين، مبرزا بذلك تحكمه بالإستقرار الأمني والسياسي في لبنان سلبا وإيجابا.

 

لذا، تنظير البعض حول الدور الحاسم لبيان السفارة الأميركية في الحل بهدف توظيفه لصالح السياسة التي ينتهجها، هو في غير محله، ولا سيما أن الوضع اللبناني في أدنى درجات الاهتمام لدى الإدارة الأميركية حتى الساعة. وهذا أمر يدركه حزب الله.

 

سعى كل طرف على إبراز نفسه منتصرا إثر صراع الآلهة الذي كلف لبنان الشعب والدولة الكثير. والحقيقة، أن هذا الصراع بين الأطراف التي خاضته مباشرة أو بالمساندة هو صراع على السلطة والحصص والأحجام والأحلام الرئاسية.

 

إنهم كلهم خاسرون، أصدقاء حزب الله كما أخصامه. يكفي النظر إلى صورة لقاء بعبدا التصالحي للتأكد من هذه الحقيقة.

 

الرابح الوحيد هو حزب الله لأنه حقق مبتغاه.

 

حزب الله يدير اللعبة من خلف وهو يتحكم تماما بها حتى الساعة. ولا شك أن الدولة اللبنانية هي دولته، وأن لبنان رازح تحت الوصاية الإيرانية كون حزب الله جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية في إيران.