روسيا توحي ان الظروف باتت ناضجة لاستكمال معركة حلب. وليس الكلام على حلّ سياسي سوى غطاء للعمل على حلّ عسكري. فلا خلال مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة رسميا وأميركا وروسيا فعليا كانت الترجمة العملية للمواقف أقل من الرغبة في حلّ سياسي بمفاعيل الحلّ العسكري. ولا في اجتماعات لوزان لمجموعة الدول المنقسمة بين داعمي النظام وداعمي المعارضة كانت النتيجة أكثر من صياغة لغوية لخفض السقف في بيان جنيف – ١ وترك التحرك الديبلوماسي تحت رحمة مبدأ: الكلمة للميدان. والميدان متحرّك.
ومن أصول اللعبة ان يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقاءين منفصلين مع وزيري الخارجية السوري والايراني وليد المعلم ومحمد جواد ظريف ولقاء ثلاثي انه لا بديل من الحلّ السياسي في سوريا، ويجب استئناف التفاوض على تسوية أساسها القرار ٢٢٥٤. لكن من الصعب تصوّر هذا هو الهدف الوحيد أو الهدف الأساسي من وراء اجتماعات موسكو في توقيت معبّر خلال الأسبوع الأخير لمعركة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ذلك ان الرئيس فلاديمير بوتين أعلن بشكل قاطع انه لا خيار سوى تطهير حلب من الارهابيين ولو بوجود المدنيين في القسم الشرقي من المدينة. وهو أعاد التذكير بأن محاولات القيام بعملية سياسية تتعثر، وان اتفاقاته الشخصية مع الرئيس باراك أوباما لم تنجح بتأثير قوى في أميركا. وما يشكو منه هو بالطبع عدم تنفيذ واشنطن ما التزمته في اتفاق كيري – لافروف، أي اخراج مسلحي جبهة النصرة من حلب وبالتالي الفصل بين المسلحين المتطرفين والمعتدلين. وليس سرّا ان دمشق لم تكن معجبة بهذا الجزء من الاتفاق قائلة، ومعها طهران، ان كل من حمل السلاح في وجه الدولة ارهابي. وها هو لافروف يصل الى الموقف نفسه، ولكن من باب آخر، عبر القول ان المسلحين الذين لا ينفصلون عن الارهابيين في حلب هم هدف مشروع.
لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يكرر القول ان الحلّ العسكري مستحيل وانه لا حلّ إلاّ بالسياسة. ويطرح معادلة خلاصتها ان الحلّ السياسي هو الطريق الوحيد الى وحدة سوريا، والحلّ العسكري هو أداة التقسيم أو التقاسم أو الفوضى. لا بل يرى ان الحلّ العسكري يقود الى مهمة مستحيلة اذا أردنا أن تصبح سوريا في يوم من الأيام موحّدة.
ولا شيء ولا أحد في روسيا وخارجها يحول دون أن يكرّر بوتين نموذج غروزني في حلب. ألم تتقدم الحسابات الجيوسياسية على التراجيديا الانسانية في الشيشان والبوسنة وكوسوفو وصربيا والعراق وافغانستان وجورجيا وأوكرانيا؟