IMLebanon

فتح ملف النفايات وإغلاقه سياسي وليس بيئياً

الطابع البيئي لملف النفايات لا يخفي أنّ وراءه أسباباً مالية وسياسية لا علاقة لها بالبيئة. لكن ثمة محاولات سياسية لتحويل الأنظار عن خلفياته، فلا يعاد نبش الملفات القديمة

قد تسجل أخطاء كثيرة على تكتل التغيير والاصلاح في اطار ممارسته العمل السياسي، كما غيره من القوى والاحزاب السياسية. وقد يتهمه خصومه، وبعض حلفائه، بعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية، وبأنه أخطأ في ادارة معركة التعيينات الأمنية منذ فتح الملف وحتى الساعة، بدليل انه لم يتمكن من تحقيق أي خرق في جدار هذه الازمة، رغم ان العماد ميشال عون حرص على تضمين ما يقوله تحذيرات شديدة اللهجة من مغبة الإقدام على التمديد للقادة الامنيين.

لكن يحق لعون، في المقابل، ان يصر على فتح ملف النفايات، وان يذهب به الى الحد الاقصى، لأن لا علاقة له به، لا من قريب ولا من بعيد، كما هو شأن القوى المسيحية الاساسية ايضاً التي لم تشارك في السلطة التي انشئت «سوكلين» برعايتها، كالقوات اللبنانية والكتائب. علماً أن أجواءً أُشيعت في الايام الاخيرة عن احتمال مقايضة عون بين اقفال هذا الملف نهائياً مع تسويات جزئية على طاولة مجلس مجلس الوزراء. لكن اتجاه التكتل، بحسب مصادره، ثابت نحو رفض اقفال ملف النفايات «ما دام لم يستقر على حلول ترضي الجميع وتنتفي فيها المحاصصة».

واذا كان التكتل قد بدأ سلسلة خطوات عملية للتنسيق بين البلديات ووضع اطر عامة وحلول لمعالجة ملف النفايات، مع طرح اسئلة جدية عن الشركات التي يمكن ان تتولى ترحيل النفايات وعن المطامر والكسارات ورمي كرة النفايات في المناطق «المسيحية»، الا ان رفضه اغلاق الملف بالسياسة ليس وارداً.

لا ينفصل ملف النفايات عن امساك فريق بالسلطة وبالمفاصل الاساسية للبلد

رغم ان الطارئ اليوم يحتم الدخول الى الحلول من البوابة العملية، اي وضع حلول موقتة ومعالجات مناطقية وبلدية، وحلول طويلة الامد، وتحويل المعالجة الجذرية واحدة من الخطوات على طريق اللامركزية الادارية التي طالب التكتل اخيراً بها.

لكن في موازاة دخول التكتل على خط المعالجة وعدم اقفال الملف، ثمة من يحاول اليوم تحويل الانظار عن ملف النفايات واسبابه الحقيقية وحصره بالمعالجات الظرفية المتعلقة بالمطامر او بالترحيل او الحرق، فلا يعاد نبش الدفاتر العتيقة لـ»سوكلين» ورعاتها. إذ إن اسوأ ما يمكن ان يحصل في مقاربة ملف النفايات، على اهميته وخطورته، ان تجري معالجته والحديث عنه بيئياً، وليس من طريق اعادة تشريحه سياسياً ومالياً، على المستوى الذي تستحقه كميات المبالغ التي نهبت من البلديات، وعلى مستوى الفضيحة المستمرة منذ ان بدأت الشركة تجمع النفايات ويُمدد لها تباعاً. واسوأ ما قد يحصل هو ان يطوى الملف الحقيقي بمجرد ايجاد حلول آنية لمشكلة جمع النفايات.

فما نتج من هذه الأزمة، وانكشاف فضائح كانت حتى الآن مستورة بفعل تسويات سياسية، اظهر الى اي مدى يمكن القوى السياسية التي حكمت البلد منذ عام 1990، ولا تزال تحاول ان تحكمه منفردة، ان ترتكب اخطاء في الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية تفوق ما ارتكبه، على سبيل المثال، عون ولا يزال يرتكبه بحسب ما يتهمه خصومه. فالنفايات التي رميت في وجه اللبنانيين، اظهرت من خلال المحاولات التي جرت للتعمية عليها، كيف يمكن هذه القوى التي تضافرت جهودها زمن الوجود السوري وبعده، أن تُسهم في سلب مقدرات البلد وتضرب عرض الحائط بكل القوانين والاعراف، وان تفتح الباب على مصراعيه لعمليات نهب منظمة ومقوننة تحت ستار اعمار البلد وانهاضه من الحرب الطويلة.

والاتصالات واللقاءات السياسية والترويج للحلول المناطقية واستغلال الجمعيات البيئية، كان عبارة عن محاولة صرف النظر عن حقائق النفايات لتتحول ازمة روائح واخطار صحية وبيئية، من دون الذهاب الى الحد الاقصى في اعادة وضع هذا الملف على الطاولة، تماماً كملفات كثيرة تتعلق بممارسة السلطة منذ عام 1990 وحتى اليوم. اذ لا ينفصل ملف النفايات في صورته الحقيقية عن امساك فريق او افرقاء، بالتكافل والتضامن، بالسلطة وبالمفاصل الاساسية في الادارة والمال العام والصناديق والمؤسسات العامة والمجالس الموزعة مناطقياً وسياسياً. وقد حرص هذا الفريق مجتمعاً على قلب الطاولة على المطالبين بمحاسبة من أهدر مال البلديات ومن استفاض في ربحه بملايين الدولارات وتقاسم المغانم مع شركائه، بالتعمية من خلال حملات مضادة وضخ اعلامي وسياسي، الى حد ان وصلت الى تحويل النظر عن السبب الاساسي لمشكلة النفايات، وحصرها بمواضيع بيئية والترويج لحملات الحلول البيئية لها، وصولاً الى المباشرة بحملة مساءلة وزير الخارجية جبران باسيل عن الكهرباء المقطوعة بصفته وزيراً سابقاً للطاقة.

على هذا المنوال يمكن ان تسأل الحكومات السابقة ورؤساؤها عن نشأة «سوكلين» وعن مجلس الانماء والاعمار وشبكات الطرق التي أهدرت فيها كميات لا تحصى من الاموال، وعن الجسور التي لا تبنى وتلك التي تحتاج الى صيانة دورية لا يقوم بها المجلس، وعن سوليدير. وتسأل ايضاً عن توزيع الحصص في الادارات العامة والمؤسسات والصناديق والاموال التي توزع عبرها وعن الغبن في التعيينات وعن قانون الانتخاب وعن السلطة التي تحكمت باللبنانيين خلال الزمن السوري، على قاعدة «ما هو لي لي وما هو لك لي ايضاً». وحين خرج السوريون اراد هذا الفريق الاستمرار بالنهج «المؤسساتي» نفسه (وأزمة النفايات نموذج عن هذا النهج)، الا انه يرفض دوماً توجيه اي اتهام عليه على قاعدة انه دائماً فوق الشبهات كامرأة القيصر.

ازمة النفايات ليست منفصلة عن مسار سياسي قديم، بل هي حلقة من سلسلة طويلة لا تنتهي. لكن السؤال: هل يمكن الذين يحاولون معرفة عما وراء الازمة منذ ان انشئت «سوكلين»، أن يستمروا في معركتهم، أم ستطوي التسويات هذا الملف ايضاً؟ الخشية ان يطوى الملف ولو اصبحت النفايات جبالاً.