الرئيس ايمانويل ماكرون أكمل التقاليد الفرنسية في رعاية لبنان. تغيّرت الدنيا وتبدّل سادة الأليزيه وبقي دعم لبنان في كل أحواله من ثوابت الموقف الفرنسي. ولا مرة تخلّت فرنسا عن اليقظة حيال ما يصيب لبنان والسعي لاخراجه من الأزمات. وحدها عملت ليل نهار على أرفع المستويات، وسط اكتفاء الدول بالتعبير عن القلق حيال الاستقرار وإبداء التعاطف مع الوطن الصغير بعد الظروف الغامضة – الواضحة واللامسبوقة التي رافقت وتلت اعلان الرئيس سعد الحريري استقالته تلفزيونيا من الرياض. وهذه المرة كان لا بد من فرنسا لترتيب مخرج لائق: الحريري على الطريق الى بيروت عبر باريس تلبية لدعوة من الرئيس ماكرون. وهو ما رآه الرئيس ميشال عون مدخلا لحلّ الأزمة.
والمقصود على الأرجح، هو أزمة الجانب الشكلي في الاستقالة وملابسات ما بعد اعلانها ومضاعفات ردود الفعل عليها. أما مضمون الاستقالة، فان رئاسة الجمهورية قررت تجنّب البحث فيه الى ما بعد عودة الحريري الى بيروت والسماع منه، وبالتالي اعتبار الاستقالة منعدمة الوجود قبل تسلمها خطيا في بيروت في حال أصرّ عليها رئيس الحكومة. وأما الخيارات، فانها مفتوحة، والقرار للحريري في البقاء أو الخروج.
والرئيس عون يبدو واثقا من القدرة على تجاوز أي مأزق. وهو يوحي انه استعد خلال الأيام الماضية لمواجهة أي سيناريو ومعالجة أي وضع. من تقديم الاستقالة رسميا حسب العرف الدستوري الى تأليف الحكومة الجديدة مرورا بحكومة تصريف الأعمال التي تتطلب وجود رئيس الحكومة في لبنان. إذ يطمئن اللبنانيين بالقول: لا تخافوا. لن يكون هناك أي حلّ مقفل، وكل شيء سيكون قانونيا. كيف؟ بالذهاب الى المجلس النيابي وإقرار قانون جديد تتمكن حكومة تصريف الأعمال بموجبه من ان تجتمع وتتخذ قرارات اذا ما طرأت ظروف استثنائية. ولا نقص لدينا، لا في الظروف الاستثنائية بالفعل، ولا في القدرة على جعل الظروف العادية والطبيعية ظروفا استثنائية وفوق الطبيعة.
لكن الأزمة التي قادت الى الاستقالة تفرض نفسها علينا. وتلك هي المشكلة في أي حوار داخل المؤسسات أو خارجها. فلا البحث في سلاح حزب الله ودوره الاقليمي يقود الى أي تغيير يرضي المعترضين على ربط لبنان ب أجندة الحزب وحلفائه. ولا استمرار الستاتيكو، ولو لم تحدث تطورات دراماتيكية، يعفي لبنان من دفع ثمن الاعتراض العربي والدولي على تجاوزنا لسياسة النأي بالنفس عن صراع المحاور.
ولن ينجّينا من المخاطر توظيف العجز عن مواجهة التحديات بالتصرّف على أساس المبدأ القائل: الأزمة التي لا حلّ لها ليست أزمة.