أمام المعارضة التي تلاشت بعد الاستشارات النيابية امتحان أن تعود للعب دور المعارضة لكن هذه المرة بتحدي القدرة على إعادة تكوين السلطة من مدخل الانتخابات الرئاسية، التي إن لم تنجح في توحيد الموقف إزاءها، تكون قد ساهمت بتجديد كامل وناجز للمنظومة الحاكمة من رأس الهرم الى كل مواقع السلطة.
بين المعارضات تدور نقاشات لا تتخذ الى الآن طابع الجدية، فبمواجهة السقف المرتفع الذي يخير به «حزب الله» الجميع بين جبران باسيل وسليمان فرنجية، تبقى المعارضات قاصرة عن تقديم نموذج واعٍ لخطورة التجديد لرئيس يشبه ميشال عون.
الخطورة بهذا التلكؤ أن احتمال التجديد لست سنوات جديدة لرئيس حليف لـ»حزب الله»، سوف يعني تأبيد المنظومة في أكثر المواقع أهمية. فرئيس الجمهورية قادر على التحكم بكل اللعبة السياسية متى أراد التعطيل، وقد استعمل عون هذه الميزة لوقف تشكيل الحكومات وتعطيل عمل المؤسسات، واستطاع أن يشل الدولة، بالصلاحيات القليلة التي يدعي أنها لا تزال في حوزة رئيس جمهورية الطائف، ومن هنا اهمية أن لا تتكرر هذه التجربة المرة، ومن هنا أيضاً ضرورة بل ومسؤولية القوى السيادية والتغييرية، بأن تتفق على رؤية واسم للرئاسة، فلا تكفي الرؤية بل المطلوب الاتفاق على اسم، لأن من دون هذا الاتفاق، يمكن أن نشهد تحديد جلسة سريعة لانتخاب الرئيس، يتأمن لها النصاب القانوني، وتنتخب رئيساً بأكثرية الـ 65 صوتاً التي باستطاعة «حزب الله» تأمينها، كما تأمنت أكثرية التجديد لبري وتسمية ميقاتي.
في المعطى العملي، فإن القوى السيادية والتغييرية امام خيارين، أحدهما مكلف سياسياً ووطنياً، والآخر يمكن ان يحد من الخسائر، ويؤمن الطريق الى تسوية قد تكون مقبولة.
سيكون الخيار الأول ابن العجز عن الاتفاق على اسم موحد للرئاسة، عندها ستلجأ هذه القوى او جزء منها الى الاجتهاد لتأمين تعطيل النصاب في الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس، وهذا خيار مكلف وطنياً، وقد يكون من الصعب تبريره او التمسك به لوقت طويل، لأن التعطيل سوف يلصق بأصحابه تهمة الفراغ الرئاسي، اي التهمة التقليدية التي لبسها «حزب الله» غير آسف، عندما عطل النصاب سنوات لانتخاب الرئيس الحليف. فهل ستستطيع هذه القوى تحمل أعباء التعطيل وتبريره اذا ما وجدت نفسها امام خيار وحيد وهو منع نصاب الجلسة؟ هذا امر سيكون مشكوكاً فيه، باعتبار أن التعطيل مرفوض داخلياً (كنسياً على وجه التحديد) وعربياً ودولياً.
الخيار الثاني هو التحدي الحقيقي امام القوى السيادية والتغييرية، وقد بدأت الاتصالات تجري بينها للاتفاق على رؤية واسم مرشح يمكن أن يؤمن أكثرية في حال عقدت جلسة الانتخاب. هذا الخيار، لن يعني القدرة على الاتيان بالاسم الذي تختاره المعارضة، لكن سيبقي «حزب الله» وحلفاءه في موقع التعطيل، الذي طالما استعملوه، لفرض تشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء، وعندها قد تستطيع المعارضة التفاوض من موقع أقوى لتحسين شروط اختيار الرئيس المقبل، ومنع تكرار كارثة الرئيس القوي، وحرمان «حزب الله» من تكريس عرف تسمية رئيس منصاع، يصادر عبره الحزب القرار اللبناني، ويعطل به المؤسسات ساعة تدعو الحاجة، ويسيّر المسيّرات من فوق رأسه، واثقاً بأنه لن ينبس ببنت شفة، ولو من باب تسجيل الموقف.
لم يبق للمعارضة الوقت الكثير لتقرر، فالحزب هيّأ مرشحه، وهيأ خياراته البديلة، وما الاستمرار بالنقاش حول جنس الملائكة في الطرف المقابل، الا ضرب من العبثية والانتحار الجماعي، المرشح لأن يمتد لست سنوات قادمة.