اذا كان لا يمكن التغاضي عن تفخيخ قانون الانتخاب الذي أنتجته القوى المشاركة في السلطة، ففي المقابل لا تجوز الشيطنة المطلقة لهذا القانون الذي نقل لبنان للمرة الاولى إلى النظام النسبي الذي يشكّل تغييراً جوهرياً في النظام الانتخابي، لجهة إلغاء معادلة الفوز او الخسارة بالضربة القاضية.
ففي الانتخابات المقبلة (إذا حصلت في موعدها) لن يكون في متناول ايّ طرف او ايّ تحالف يفوز بـ51 في المئة من الاصوات أن يأتي بمئة في المئة من المقاعد، وهذا تطور كبير يفترض بقوى المعارضة والقوى المدنية أن تأخذه في الاعتبار، وأن تبدأ منذ الآن الاعداد لتحمّل المسؤولية، التي أفسح لها القانون نوافذ مهمة، يمكن إذا استُثمِرت ان تُحدث تغييراً جدياً في خريطة المجلس النيابي المقبل.
ولعلّ الكلام الذي قاله «أحد آباء» القانون الدكتور سمير جعجع، بلهجة فيها الكثير من التحدي والاختبار، صحيح. فالقوى المعترضة على القانون، وهي في معظمها ستشارك في الانتخابات، لن يمنعها أيّ كان في معظم الدوائر، حتى تلك التي يسيطر عليها الثنائي الشيعي، من أن تَستفتي الناخبين بلوائح مختارة، وبغضّ النظر عن استعمال لوائح السلطة للنفوذ والمال، فإنّ النتائج ستكون فعلاً اختباراً حقيقياً في معظم الدوائر، وما على هذه القوى سوى الإعداد الجيّد لمعاركها وعناوينها وبرامجها.
وتلخّص أوساط مطّلعة النتائج التي أفرزها القانون والمرتبطة بقوى المعارضة على تنوّعها، بالآتي:
أولاً: يتيح هذا القانون التقاء كثير من القوى المدنية والسياسية المعارضة في لوائح واحدة، فمصلحة هؤلاء توجِب صَوغ إطار واسع يمكن ان يشمل معظم الدوائر إذا توافرت له ظروف الاعداد الجيّد، وما يصبّ في خانة هذه القوى سياسية كانت أم مدنية، أنها تستفيد من نصف القانون بنحو مثالي، أي من النصف النسبي، حيث لن تتعرض كما ستتعرض تحالفات القوى المشاركة في السلطة، للتنافس داخل اللوائح على «الصوت التفضيلي»، لأنّ أولويتها ستتركز على نَيل نسبة من المقاعد في كل دائرة، وليس معرفة من الفائز داخل اللائحة، ويشكّل تجاوز أزمة التنافس على «الصوت التفضيلي» ميزة كبرى لتحالفات المعارضة، على العكس من قوى السلطة التي ستدخل في مطحنة النزاع على «الصوت التفضيلي»، هذا اذا نجحت في تركيب لوائح تحالفية في ما بينها، وهذا المعيار يطبّق على جميع معظم القوى المشاركة في الحكومة باستثناء الثنائي الشيعي.
ثانياً: تَموضع القوى المشاركة في الحكومة التي صاغَت قانون الانتخاب لتحافظ، بأقصى ما تستطيع، على أحجامها داخل المجلس النيابي، يتيح لقوى المعارضة أن تلتقي اولاً، وكمدخل إلزامي، على برنامج وطني سيادي وإصلاحي، وفي كلا البعدين يسجّل التقاء واضح بين المجتمع المدني (غير الموحّد حتى الآن) والقوى السياسية المعارضة، ولن يكون من الصعب صَوغ هذا البرنامج، ولن يكون من الصعب تقديم نموذج وطني يَستفتي اللبنانيين ويشمل رؤية مفصّلة لكلّ الملفات ومن دون أن يوضع ايّ ملف في مواجهة الآخر.
ثالثاً: إنّ النادي السياسي المقفل الذي عبّر عن نفسه في لقاء بعبدا، يطمح الى تجديد خريطة المجلس النيابي الحالي، مع تسجيل حالات تنافسية بين المشاركين في هذا النادي، وهذا الاقفال السياسي، الذي تحصل على هامشه او في صلبه، عملية توزيع نفوذ في الادارات والوزارات والملفّات الكبرى كالنفط والكهرباء والهاتف، يقدّم مزيداً من الحوافز للمعارضين، ليدركوا انّ المعارضة بالمفرّق، لم تَعد تُجدي، وانّ معارضة واحدة قوية، هي وحدها القادرة، على إطلاق صافرة الانطلاق نحو انتخابات تكون نموذجاً لِما حصل في الانتخابات البلدية في بيروت وطرابلس وبعلبك، ولكن اليوم إن تَوحّدت هذه القوى سينتقل من موقع المنافسة على انتخابات بلدية في هذه المدينة او البلدة او تلك، الى موقع صَوغ مواجهة على المستوى الوطني، ببرنامج يفترض ان يقدّم الدليل الى بقاء السياسة بمعناها الوطني على قيد الحياة، بعدما كادت التسويات المتلاحقة أن تُدجّن من استمرّوا على قول الـ«لا» لفَرض معادلة زواج السلاح والفساد.