IMLebanon

في الممانعة «وعقلها»..

ليس صعباً في هذه الأيام الركّ على جملة أفكار أبرزها بدء العد العكسي لإعلان وقف أجهزة الانعاش عن بقايا سلطة الأسد، ثم وقوف إيران على الحقائق المريرة والأخيرة «لجهادها» الامبراطوري والنووي الذي استمر كل تلك السنوات وراح هباء منثوراً.

لكن الصعب هو افتراض شيء من المنطق في أداء ذلك المحور الممانع، يُبنى على قراءة بسيطة موازية لقراءة العموم حيث يستوي الجميع ويتساوون في الخلاصة القائلة إن الحرب انتهت، لكن معارك متفرقة لا تزال تدور في سياقها وبصخب انفعالي أكبر من المعتاد.

وممتعة وولاّدة فرفشة وحبور، رؤية (وقراءة) ذلك التلوّي الذي يمارسه بشغف صنّاع تلك الممانعة ومذيعوها ورواد البيان في منبرها، والذي يدلّ، في أضعف الأحكام، على مكابرة مألوفة تدمج النكران بالتمنيات المستحيلة، وفي أقوى الأحكام تدل على عته متأصل يبدأ من زاوية احتكار ادعاء كل الحق وينتهي عند العدمية التامة التي تبطن وتظهر نيّة استئصالية إزاء كل مخالف وخصم وعدو!

أمرٌ طبيعي وعادي، أن تفلت تلك الظواهر على عادتها، بالذم في الآخرين وشتمهم والتطاول على كل ما يخصّهم ويرتبط بهم ويدلّ عليهم.. وأمرٌ طبيعي وعادي أن يزداد الخبط واللبط كلما اهتزت اليقينيات الانتصارية وبان عكسها، وأنتجت الوقائع والأحكام العادلة خسائر بالجملة والمفرق سواء بسواء. لكن ما ليس عاديًّا ولا طبيعيًّا هو أن تنقلب تلك الظواهر على الأحباب والأصحاب والحلفاء المفترضين، ويبدأ الردح على المكشوف وبطريقة مسرحية فضائحية لا تليق بأحد:

من «محور البريكس» والوعد الذي يحمله معه للعودة الى «التوازن» الاستراتيجي مع الغرب (لمن يتذكر) الى تقشير ذلك المحور وأخذه بالتقسيط، ثم البدء بمعاتبة دوله! ثم الانتقال الى شتمها! ثم الى اتهامها تارة بممارسة البغاء السياسي والبيع والشراء، على حساب المبادئ العظمى والمقدّسة (في حالة إيران وعلاقاتها مع تركيا) وتارة بقلة الدراية وعدم استيعاب حراجة اللحظة وأهميتها الاستراتيجية، وصولاً (في حالة روسيا) الى وصف التركيبة التي يقودها بوتين بالتماهي التام مع المافيات وطقوسها والتفريط بالإرث الأسطوري الذي شكلته «دولة العمال والفلاحين» وصفوة «الاشتراكية العظمى»!

يمكن أن يأخذ الاستغراب حيثية من واقع أن كل ذلك يتم فيما «الهجوم المضاد» لا يزال في بداياته، فكيف الحال في خواتيمه؟! لكن الواضح هو أن ذلك الأداء في جملته يدل على وعي مبطّن عند أصحابه، ينكره اللسان (والقلم!) بأن الحرب انتهت لغير صالح المحور التنويري الممانع، وان المعارك التي لا تزال تجري على جبهات الارهاب الداعشي والتمدد الايراني والإجرام الأسدي، لن تغيّر في تلك النتيجة الأخيرة شيئاً، وإن كانت ستضيف المزيد من الخراب والكوارث والبلايا السوداء!

لو كانت الجدلية العلمية طريقة التحليل واتخاذ القرار، لكان يمكن وضعها في جدول النقاش مع هؤلاء، لكنها غائبة لصالح غرائزية بدائية تدّعي عكس ما فيها ولا تخجل.. والحسبة بسيطة والمثال أبسط: تنطح الحائط في المرة الأولى وتفترض أن رأسك أقوى منه، فلا يسقط! ثم تعاود الكرّة ولا تسأل! لكن أن تستمر في النطح فإن رأسك حُكماً هو الذي سيتكسّر! وسيبقى الحائط في مكانه!

.. آن الأوان للخروج من ذلك العُته، ومن ثقافة نطح الحيطان. وآن الأوان للانتباه، بأن اليمن ليس جزءاً من منظومة «ولاية الفقيه» ولن يكون. وأن الأسد وطغمته الفئوية صارا من الماضي السوري وليس من مستقبله. وأن امتلاك إيران قنبلة افنائية، هو خرافة تشبه ثلاثية الغول والعنقاء والخل الوفي. وأن الإرهاب الداعشي يؤذي ويشوّه لكنه لن ينتصر على أحد.. وأن كل الدماء التي يسفكها مشروع الممانعة، هي دماء عربية وإسلامية خالصة!.. وأن حكي المجنون عن الجنون لا يجعل منه عاقلاً، بل يؤكد ما فيه تماماً بتاتاً!