لم تعد المشاركة في لقاء بعبدا مقياساً للمعارضة أو الموالاة، ولا لنجاح خطة الحكومة أو فشلها، فكل ذلك لا يعني شيئاً بالنسبة إلى مواطنٍ فقد عمله وتضاءل دخله المتبقي ووُضعت اليد على مدخراته ويوميات حياته.
سيتمنى المواطن ان تنجح الحكومة، أية حكومة، في وضع حدٍ للإنهيار عبر إشارات ولو صغيرة لإمكانية إحداث تغيير ما في “السقوط الحر” الذي اكتشفته سلطة “8 آذار”، وسيصفّق لحسان دياب طويلاً لو لمس تقدماً أو أبصر نوراً في نهاية النفق، وسينسى من حضر ومن غاب عن اللقاء التشاوري في بعبدا والملاحظات التي قيلت في تبرير انعقاده أو في تفسير الغياب عنه.
وفي الحقيقة أن لا حاجة للتبرير أو للتفسير، فالحكومة صاحبة النص الذي انبنى الاجتماع حوله ما كانت لتقوم أو تجتمع لتقرر “خطةً” أو مشروع خطة، لو لم تنل ثقة غالبية المعترضين على عزيمة القصر الجمهوري، وهؤلاء الذين وفروا الثقة عبر تأمينهم النصاب النيابي لها كانوا يعرفون الى أين ستصل الأمور، فمن يزرع البطاطا ليس له ان يتوقع حصاداً للقمح.
هنا تحديداً تكمن مشكلة من يفكرون اليوم بالتأسيس لمعارضة أو من يعتقدون انهم يخوضون معارضة رسمية ضد العهد وحكومته. وهذه المشكلة ليست جديدة لدى أطراف المجموعات التي انضوت يوماً تحت إسم “14 آذار”، فهي دائماً ما ستكتشف انها ارتكبت خطأ أو انها تأخرت عن اتخاذ الموقف الصحيح. والحقيقة ان “14 آذار”، حتى عندما كانت أكثرية، تصرفت كمعارضة في وجه أقلية حاكمة فعلياً، وليست حكومات التوافق والوحدة الوطنية إلا نتاجاً لهذه العقلية التي أسهمت في إيصال الأُمور الى ما وصلت اليه.
على الطامحين إلى قيام معارضة رسمية، باعتبار ان أحداً منهم لا يأخذ بالاعتبار انتفاضة “17 تشرين” وخطابها التغييري، ان يحددوا فعلياً نقاط اللقاء والافتراق في ما بينهم، وأن يصوغوا برنامجاً بديلاً وخطةً مغايرة لبرنامج وخطة الحكومة، ليتم طرحهما امام الناس، وبعد ذلك يصبح ممكناً الحديث عن معارضة وموالاة بمعزل عن مسافة السكة الى بعبدا.