حكومة ميقاتي “نموذج مُختلف عن التماهي مع المقاومة ووحدة المسارات”
لم تنته بعد مفاعيل حديث رئيس حكومة نجيب تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي ربط بين إنهاء المواجهات على الحدود الجنوبية بإنهاء الحرب على غزة، ولا تزال تتفاعل في الاوساط رغم ملحق الحديث السياسي والاقتصادي والأمني لميقاتي من دافوس في سويسرا. فالواضح ان كلام ميقاتي أعجب فريقا سياسيا، ولم يهضمه فريق سياسي آخر، فالفريق الاول يرى ان ميقاتي تصرف كرجل دولة بتماهيه مع المقاومة والتضامن مع القضية الفلسطينية، اما الفريق الثاني فيرى انحيازا في موقف الرئاسة الثالثة ليس في توقيته المناسب، اذ أسقط النأي بالنفس لحكومته ضاربا الجهود الديبلوماسية لتهدئة الجبهة الجنوبية التي كان يتم التحضير لها، في الوقت الذي يرفض عدد كبير من اللبنانيين الحرب وزج لبنان في مواجهات عسكرية، وكان بإمكانه، وبحسب الرأي الثاني، ابداء المرونة في مواقفه لعدم تأزيم الوضع ولمنع انعكاس التصاريح على المبادرات الدولية.
بالمقابل، ترى مصادر محايدة ان موقف ميقاتي لم يكن تقليديا بمقاربة ما يحدث على الجبهة الجنوبية، فهو يمارس سياسة النأي بالنفس في عدة ملفات، لكنه انتقل الى مرحلة مختلفة بإعلانه تلازم المسارين بين غزة ولبنان، متجاوزا نمط التعامل الرسمي السائد في السنوات الأخيرة، فحكومة الرئيس فؤاد السنيورة تنصلت في حرب تموز ٢٠٠٦ من الحرب والتماهي مع حزب الله .
موقف ميقاتي لم يمر لدى المعارضة، التي تتحفظ على أداء رئيس الحكومة منذ إجتماع مجلس مجلس الوزراء الأخير، بعد رد ثلاثة قوانين بما اعتبر انتهاكا للدستور. على ان اعلان ميقاتي موقفا رسميا بشأن الحرب، وقوله ” نطالب بوقف اطلاق نار في غزة بالتوازي مع وقف إطلاق نار جدي في لبنان”، تم تفسيره واعطائه أبعادا تتعلق بوحدة الساحات، واهميته انه جاء بعد زيارة الموفد الأميركي اموس هوكشتاين الى بيروت، كما ان الأهمية الكبرى تكمن في التماهي بين ميقاتي وحزب الله بما يعكس اطمئنانه لفريق المقاومة.
بالمقابل فان رد القوانين لم يمر عاديا لدى المعارضة التي أعلنت الاستنفار ضد الحكومة، اذ تتخوف مصادرها ان تكون الجلسة الأخيرة “بروفا” لما ستحمله الايام المقبلة من مفاجآت حكومية، تتضمن اصدار مراسيم تحت عنوان محاربة التعطيل وتفعيل عمل الحكومة وتسيير المؤسسات.
تتمدد المخاوف لدى المعارضة من تكرار التجاوزات في ظل غياب رئيس الجمهورية وشغور الرئاسة، وعليه تتجه الانظار الى الجلسة التي يتم التحضير لها لإقرار التعيينات العسكرية، بعد الاتفاق السياسي بين مكونات معينة على رئاسة الأركان.
ويؤكد المدافعون عن سياسة الحكومة، ان الهدف الأول اليوم تسيير مرافق ومؤسسات الدولة، ومحاربة التعطيل في ظل الفراغ الكبير والانهيار، ولعل ميقاتي اختار الذهاب الى الخيارات الكبرى والمواجهة، رافضا الوقوع في أخطاء الحكومات السابقة في ما يتعلق بتفعيل العمل المؤسساتي، مفضلا تقديم نموذج مختلف عن الحكومات السابقة بالنسبة الى عمل المقاومة والتماهي معها، خصوصا ان مثل هذا التناغم يقلل الانقسام الإسلامي، ويعزز التقارب بين الشارعين السني والشيعي .
في المقلب المسيحي، سجلت المراصد تقاربا بين القوتين المسيحيتين “التيار الوطني الحر” و”القوات” مع المعارضة، وتتفق الاطراف الثلاثة على ان جلسة مجلس الوزراء تشكل تعديا على صلاحيات الرئاسة، وان مواقف ميقاتي المتماهية مع حزب الله مثيرة للتساؤلات، في الوقت الذي يفترض تطبيق القرار ١٧٠١ وعدم ربط الساحات وتوتير العلاقات مع المجتمع الدولي، فيما الدول العربية تنأى بنفسها عن حرب غزة وتوابعها. والمفارقة الاكبر لدى المعارضة هو في تناقضات حكومة تصريف الاعمال، فبداية أعلن ميقاتي ان قرار الحرب والسلم ليس في يد الحكومة، ثم اكد ان قرار السلم لدى الحكومة ليسجل “سكوب” الربط بين وحدة المسارات والساحات.