نفّذ «التيار الوطني الحرّ» أولى تحرّكاته على الأرض محاولاً تحمية شبابه للإنطلاق نحو اعتصام شامل، في حال لم تنجح الوساطات والإتصالات في إيجاد تسوية للأزمة الحكومية، لكنّه لم يكشف خططه والنمط التصعيدي الذي سيتّبعه.
مَن يسمع ويراقب الشباب العونيّين الذين استعدّوا أمس لمسيرات سيّارة في اتجاه السراي الحكومي، يظنّ أنه في حرب، خصوصاً عندما يتكتّمون عن تحرّكاتهم ويعتمدون السريّة القصوى ويتحدّثون عن أهداف معيّنة وتوجيههم «ضربات مؤلمة».
راهن العونيّون على تكتيك المفاجأة وإبقاء الجميع على أعصابه، ورفَضوا حتى ما قبل دقائق قليلة على بدء تحرّكهم، كشف خطّة سيرهم، لكنّ المستغرب أنّهم بدورهم لا يعرفون الى أين سيتّجهون: هل الى السراي أو إلى الأشرفيّة أو سيكتفون بمواكب سيّارة تجوب المناطق؟ والأغرب أنّه ليس الطريق وحده ما يجهله العونيون، بل الإتجاه السياسي الذي سيسلكونه والى أين سيأخذهم «الجنرال»، وما هو أفق هذا التحرّك؟
يبدو أنّ خطابات العماد ميشال عون لم تكفِ وحدها لتعبئة نفوس العونيين والهجوم نحو الهدف الضائع الذي يتحرّكون من أجله، فضاعوا في الشعارات والهتافات، بين المطالبة بعون رئيساً، أو استرجاع حقوق المسيحيين، أو أخذ الحقوق من الحكومة.
لذلك، إستعان العونيون بخطابات الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله عن الصواريخ، من دون أن يحسبوا حساباً أنّ هذه الخطابات قد تستفزّ الشارع المسيحي، خصوصاً أنّ الموكب الذي انطلق من «ميرنا الشالوحي» في سن الفيل ومناطق أخرى من المتن، مرّ في الأشرفية، أهمّ معاقل «القوّات اللبنانية» واليمين المسيحي، رافعاً أعلام «حزب الله» على رغم إعلان «الحزب» عدم مشاركته في التظاهرات.
بلبلة
كان جهاز الإتصال اللاسلكي الذي يحمله الدركي أمام السراي، أصدق مُعبّر عن البلبلة التي أثارها العونيون غير آبهين بموسم السياحة والمهرجانات التي تعيشه المناطق المسيحية هذا العام. يُمسك الدركي الجهاز بين يديه، يفتحه وينادي زميله الواقف على التباريس: أين أصبحوا؟
هل عبروا الشارع واتجهوا ناحيتنا؟ يجيبه بـ«لا». فيتصل بزميله على الصيفي من ثم ينادي ساحة الشهداء لكن لا شيء يؤشر الى الإقتراب من السراي لإطلاق الهتافات المنددة بالحكومة التي يشارك فيها تكتل «التغيير والإصلاح» بأربعة وزراء لن يستقيلوا، كما أعلن وزير التربية الياس بو صعب، الذي تفقّد الشباب أمام مبنى»ميرنا الشالوحي».
بدأ المناصرون بالوصول الى نقطة «ميرنا الشالوحي» منذ الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، رافعين أعلام «التيار» ومطلقين العنان لأغاني الجنرال، في وقت تولّت عناصر عونية ترتدي القمصان السود كتب عليها «عونيون إلى الأبد» التنظيم الخارجي وضبط الوضع.
وقد يكون «التيار» تأثّر بحليفه. فكانوا يحملون الأجهزة اللاسلكية ويتحدثون مع بعضهم، لكنّ كل ذلك لم يمنع وقوع إشكال بين العونيّين أنفسهم، تطوّر الى تضارب بالأيدي بسبب مسائل تنظيمية، فتدخّل مسؤولو التنظيم وضبطوا الوضع.
أجواء التهدئة مع «القوات اللبنانية» لم تنعكس على الشارع، ولم يخلُ الأمر من بعض الحركات «الطبيعية»، حيث مرّت إمرأة رافعة «دلتا القوات»، لتتبعها سيارة تطلق «زمّور الحكيم»، لكن كل شيء بقي تحت السيطرة.
توجّه العونيون من المتن في اتجاه الأشرفية باستعراض سيارات إستقلها فقط شخص أو شخصين، وحرصت «القوات اللبنانية» على عدم حصول أيّ صدام أو الإنجرار نحو الإستفزاز، لكنّ مشهد أعلام «حزب الله» وخطابات نصرالله لم يعجب الأهالي الذين تساءلوا عن سبب إصرار «التيار» على إدخال «الحزب» الى المناطق المسيحيّة، وهل هؤلاء عونيّون يحملون أعلام «الحزب» أو أنّهم فعلاً من مناصري «الحزب» أو «سرايا المقاومة»؟
وصل الموكب الى التباريس واستراح بعدما قدّم عراضة زادت من زحمة السير، من ثم توجّه عبر ساحة الشهداء الى السراي، حيث اتّخذت تدابير أمنية مشددة وانتشر الدرك وفرق المكافحة والإطفاء في محيطها.
بعدما توقّف الموكب أمام السراي، حصلت مناقشات كان عنوانها الأبرز «خلّي شاحنة الموسيقى والأغاني توقف هون ليسمع الجميع»، فيما نزل بعض العونيين لأخذ الصورة أمام السراي على وقع تخبّط في التنظيم، وما هي إلّا دقائق حتى طُلب من الجميع الصعود الى السيارات والمغادرة.
في هذا الوقت كان العونيون يتحرّكون في كسروان وجبيل والبترون والكورة وزحلة وجزين وبعبدا والزهراني، في محاولة لحشد أكبر عدد ممكن وتشجيع الناس للنزول الى الشارع إذا ما دعت الحاجة.
إنتهى اليوم الأول من التحرّك، وعاد العونيون الى منازلهم، في انتظار كلمة السرّ من «الجنرال»، فيما يخشى قسم من المسيحيين أن يُكرّر تحرّك عون ما عاشه لبنان من حرب تحرير وإلغاء وتدمير المجتمع المسيحي وتطيير حقوقه.