على جبهة التخفيف من حظوظ اندلاع الحرب الشاملة، جاء كلام رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال تشارلز براون، وان كان ترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات، ليلاقي رغبة حزب الله اقفال مرحلة الانتقام لاغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، في وقت رفعت طهران من منسوب حربها النفسية، معلنة عن اجراءات تثير الكثير من التساؤلات، رغم اعتقاد الكثيرين ان المنطقة تخطت خطر الحرب الشاملة، بفعل ضغوط اميركية قوية مورست على الاطراف المعنية بالتصعيد لاحتوائه.
وفيما لا زالت نتائج عملية “الاربعين” غير واضحة، وسط سيل من المعلومات غير المؤكدة حتى الساعة، فان المصادر “الاسرائيلية” في الوسائل الاعلامية العبرية على اختلافها، اجمعت على ان هجوم حزب الله أظهر تحسنا في الدقة والقدرة على التهرب من الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” منذ بدء القتال في تشرين الأول 2023، حيث استخدم الحزب المسيرات بشكل أكبر لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي “الإسرائيلية”، وضرب مواقعها العسكرية على طول الحدود، وكذلك في عمق “إسرائيل”، وفقا لتقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث مستقل تابع لجامعة “تل أبيب”.
من جهته، اشار معهد أبحاث الأمن “الإسرائيلي” الى ان ما جرى يأتي في سياق تطور العمليات شهدته الجبهة منذ اسابيع، مع ادخال حزب الله ساحة القتال طائرات مسيّرة، يمكنها إطلاق صواريخ وأخرى تجمع المعلومات، وسط مخاوف “إسرائيلية” من تزايد استخدام الحزب للمسيّرات التي يتعذر على النظام الدفاعي الجوي مواجهتها. وفي هذا السياق تتزايد المخاوف في “إسرائيل” من إطلاق سرب من هذه المسيّرات فجأة، الأمر الذي يسهل اختراق القدرات الدفاعية.
واذا كان ثمة من يعتقد ان النجاح العسكري لحزب الله في اعادة العمل بقواعد الاشتباك، قد شكل احدى نقاط الارتكاز في عدم انجرار المنطقة نحو الحرب الكبرى، فان مصادر سياسية متابعة رأت ان عوامل اخرى لعبت دورا لا يستهان به، اذ لدى طرفي الصراع “أسباب مقنعة” لعدم خوض الحرب الآن، فـ “إسرائيل” غير قادرة على الصمود في مواجهة الجبهة اللبنانية، في وقت لم تحسم فيه المعركة بعد مع حركة حماس التي انتقلت الى حرب استنزاف، رغم كل الدمار والخسائر التي لحقت بهيكليتها، ورغم تراجع وتيرة الاعمال الحربية، إضافة الى خوف “تل ابيب” من فلتان الامور في الضفة الغربية التي قد تذهب الى مزيد من العنف، بسبب هجمات المستوطنين المتطرفين ومواقف وزرائهم داخل الحكومة “الإسرائيلية”.
وتابعت المصادر، يضاف الى كل ذلك ادراك القيادة العسكرية “الاسرائيلية”، أن الحرب مع حزب الله لا يمكن أن تحسم من دون توغل بري في الاراضي اللبنانية، وهو ما من شأنه أن يسفر عن خسائر فادحة نتيجة تطور الوحدات القتالية للحزب عن معركة 2006، وما راكمته من معرفة وخبرة في سوريا، دون اسقاط عامل “تعب” جيش العدو واستستية في حرب الاشهر العشرة المستمرة.
واستدركت المصادر، بان كل ما تقدم لا يلغي في المقابل إن لرئيس الحكومة “الاسرائيلية” أسبابا وجيهة لإبقاء “إسرائيل” في حالة صراع، لأن هذا يساعد في “نفاذه” من المحاسبة، حيث يواجه تهم فساد بالجملة، وهو ما قد يدفعه الى المحافظة على الوتيرة الحالية للاعمال القتالية على غرار عملية يوم الاحد، الامر الذي قد لا تسلم معه الامور في كل مرة.
اما على الجانب اللبناني فترى المصادر ان حارة حريك تأخذ في حساباتها العسكرية الوضعين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعاني منهما لبنان، من هنا سعيها الى تحييد الدولة اللبنانية ومرافقها وبناها التحتية عن العمليات العسكرية، خوفا من تعرضها للتدمير من قبل جيش الاحتلال على غرار حرب 2006، في موازاة عدم رغبة الراعي الإقليمي للمحور في الذهاب الى صراع اكبر، قد يطيح بالكثير من الانجازات التي راكمها على اكثر من صعيد. والاهم، عدم اعطاء اي ذريعة لضرب مشروعها النووي في هذا التوقيت الحساس بالذات، وهي من اجل ذلك أرجأت في الوقت الحالي الرد الذي هددت به على اغتيال “إسرائيل” للزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية.
ورأت المصادر، ان لكل طرف من مكونات المحور دوافعه واستراتيجيته للرد التي تتكامل في النهاية، الا انها لا تسقط هامش حركة كل منها، وهذا ما عبر عنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله صراحة، فالطبيعي ان لا يتقاسم في التفاصيل حزب الله وإيران الدوافع ذاتها التي كان يتبناها يحيى السنوار، في هجومه المباغت على “إسرائيل” في السابع من الأول.
وختمت المصادر بان حقيقة أن “إسرائيل” وحزب الله لا يريدان حرباً شاملة الآن، لا تعني أن هذه الحرب لن تحدث، ذلك أن الجانبين يستخدمان أسلحة “ضمن قواعد اللعبة” حتى الساعة لتبادل الرسائل، حيث يبقى هامش الخطأ في التقدير كبيراً، كاشفة أن جيش العدو كان على وشك الدخول في حرب في لبنان مباشرة بعد السابع من تشرين الأول، استناداً إلى معلومات استخباراتية غير دقيقة تشير إلى أن مقاتليه كانوا على وشك الهجوم عبر الحدود الشمالية كما فعل مقاتلو القسام.