Site icon IMLebanon

حصيلة “زيارة واشنطن”: عرضان ورسالة تحذير

 

 

على وقع زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الأخيرة إلى واشنطن، واللقاءات التي عقدها هناك، يُعاد رسم المشهد السياسي والاقتصادي في لبنان. الكثير من المعلومات لا يزال يتسرّب، وقد يكون أهمّها ما نقل لـ”نداء الوطن” عما دار في الاجتماع الذي ضمّ إلى الحريري، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر والسفير السابق في لبنان دايفيد ساترفيلد (السفير الحالي في تركيا) الذي تولى دور الوساطة في المفاوضات حول ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل.

 

تفيد المعلومات أن “حزب الله” احتلّ الحيّز الأكبر من البحث، وكذلك دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في مفاوضات ترسيم الحدود إذ يحمّله الأميركيون مسؤولية توقفها، فضلاً عن إفصاح الأميركيين عن نيتهم فرض عقوبات إضافية على شخصيات مسيحية هذه المرة وفي موقع المسؤولية، وتلويحهم بعقوبات على المصارف وحركة تحويلات الأموال إلى لبنان. وحمّل الأميركيون رئيس حكومة لبنان عرضين، ورسالة لم تخلُ من تحذير مبطّن .

 

بدأ الاجتماع بعرض الرسالة الموجّهة خصوصاً إلى بري، وتفيد بأنّه سيتحمّل و”حزب الله” مسؤولية تدهور الاقتصاد اللبناني إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه من ناحية استغلال “الحزب” للموانئ البحرية والبرية، وعدم تحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليتها وبسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية، والمضي قدماً في مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل.

 

وأبلغ الاميركيون الحريري أن هناك لائحة عقوبات ستصدر وستتضمن مزيداً من أسماء مسؤولين في “حزب الله”، وأسماء لمسؤولين مسيحيين وستطاول أيضاً عدداً من البنوك التجارية التي تدّعي واشنطن أنّ “الحزب” يتعامل معها.

 

كما حمّل الأميركيون الحريري مسؤولية وضع حدّ لما وصفوه بمخابئ السلاح في الجنوب. وفي كلّ مرة كان الحريري يحاول شرح الواقع اللبناني واستحالة تطبيق بعض الأمور حالياً كان الجواب: “أنت رئيس الحكومة، تصرّف”.

 

وبعد الإسهاب في استعراض تفاصيل ما يضمره الأميركيون للبنان ونظرتهم لواقع الأمور، انتقل المسؤولون للحديث عن عرض أميركي للبنان مؤلّف من شقين، يتعلق بترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل وهذا هو الأساس من وجهة نظرهم، وقد فرّقوا بين ترسيم الحدود (border demarcation) وترسيم نقاط عند الحدود (boundries points). يتحدّث الشق الأوّل من العرض عن الاستعانة بلجنة ثلاثية مؤلّفة من “اليونيفيل” وممثلين اثنين عن الجيش اللبناني والجيش الاسرائيلي، متخصّصة بترسيم الحدود البرّية والخط الأزرق، تحدّد وتعيد ترسيم النقاط الحدودية المختلف عليها وليس ترسيم خط الحدود أي الخط الأزرق. أما الشق الثاني فيقوم على تشكيل لجنة ثانية من “اليونيفيل” وفريقين اقتصاديين من لبنان وإسرائيل لتحديد الحدود البحرية أو ترسيمها.

 

وإذا لم يوافق لبنان، وهو ما يتوقعه المسؤولون الأميركيون، فسيكون هناك اقتراح ثان يقدم البديل عن اللجنة الاقتصادية وهو إقامة منطقة تنمية مشتركة (zone development area) شبيهة بالنموذج الموجود على الحدود بين تايلند والفيليبين والتي اختلفت عليها الدولتان، وكان الحل بأن لجأتا إلى لجنة متعدّدة الجنسيات، استلمت هذه المنطقة وتولّت تشغيلها واستثمارها وتقوم بتوزيع ثروتها بين الدولتين. وهذا هو العرض الذي تفضّله إسرائيل التي ترغب بوجود لجنة من جنسيات متعدّدة فرنسية وأميركية ودنماركية وما شابه تنال حق استثمار المنطقة من النفط وتوزيعه بينها وبين لبنان.

 

يقول المقترح الأميركي إنه إذا لم يوافق لبنان على العرضين، فالاتجاه هو نحو مزيد من العقوبات الأميركية على لبنان والتي قد تطاول هذه المرة حركة تحويل الأموال من لبنان وإليه.

 

وفق مصدر موثوق، فإن الأميركيين لمّحوا إلى تحميل الرئيس بري مسؤولية توقف مفاوضات ترسيم الحدود، وأنه و”حزب الله” يعيقان عمل الحكومة في هذا المجال وهما سيتحمّلان عواقب تلك المسألة على الاقتصاد الذي تراه أميركا عرضة للانهيار في أي لحظة. تريد أميركا من الحريري أن يبادر إلى بحث موضوع الترسيم في مجلس الوزراء وهو ما كان وعد به الحريري سابقاً غير أن طرحه قد يستجرّ طرحاً آخر يتعلق بترسيم الحدود مع سوريا وهو ما قد يكون بنداً تفجيرياً.

 

يدرك الأميركيون أنهم حمّلوا الحريري ما لا طاقة له عليه في ظلّ الواقع اللبناني المحكوم بالتوافق. وحيال لائحة الطلبات التي حمّله إياها الجانب الأميركي طالباً منه نقل عرضه إلى الحكومة اللبنانية وبحثه على طاولة مجلس الوزراء، جلّ ما قاله الحريري في هذا الخصوص أو وعد به هو بنقل كل ما سمعه إلى الحكومة ليضع كلّ طرف أمام مسؤولياته.

 

وخلال المحادثات أثنى الحريري على رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط ودوره على الساحة السياسية كما تحدّث بالايجاب عن وزير الخارجية جبران باسيل.

 

وبعيداً عما عرضه الأميركيون، نقطتان لا بد من التوقف عندهما بحسب مصدر متابع للشؤون الاميركية عن قرب، أولاهما حرص بومبيو على استدعاء ساترفيلد من أنقرة لحضور الاجتماع وهو ما خلّف انزعاجاً لدى شينكر الذي يعتبر نفسه متفرّداً بسعة اطلاعه على ملف لبنان ومتعمقاً فيه، والثاني أن الجانب الاميركي لم يعر اهتماماً لدى مقاربته الشأن اللبناني للدور الفرنسي أو السعودي، فيما هو يعتبر أنّ الجانب الإيراني منهمك حالياً بالعقوبات القاسية عليه وسبل مواجهتها. وفي تقدير المصدر أن البلورة العملية الأميركية لما سمعه الحريري في واشنطن ستكون ابتداءً من الشهر المقبل حيث تنتهي الإجازة السنوية لمعظم العاملين في الإدارة الأميركية.

 

بعض من شارك في الاجتماعات مع الحريري خرج بانطباعات أن رئيس حكومة لبنان بدا وكأنه “مهموم” لكنه وعد بنقل تفاصيل العروض لمناقشتها داخل الحكومة.

 

إذاً محمّلاً بعبء ثقيل، عاد الحريري إلى لبنان الذي لم يكد يخرج من تداعيات أزمة سياسية كادت تطيح استقراره، ليكون السؤال كيف سيتعاطى رئيس حكومة لبنان مع ما سمعه في واشنطن ومن أين ستكون البداية؟