على عكس ما يسري من مخاوف تبنى على احتمال ان يتمدد تنظيم الدولة الاسلامية في اتجاه لبنان ومناطقه انطلاقا مما حصل في جرود عرسال واحتجاز التنظيم جنبا الى جنب مع جبهة النصرة جنودا لبنانيين رهائن لديهما، فان رؤساء بعثات ديبلوماسية معتمدة في لبنان يبدون اكثر اطمئنانا الى صعوبة هذا الاحتمال على نحو ما تذهب اليه توقعات سياسية داخلية. ويبني الديبلوماسيون اقتناعهم على هذا الصعيد الى عدم وجود بيئة مؤاتية لهذا التنظيم في لبنان في الدرجة الاولى فضلا عن وجود دعم خارجي انهال بقوة على الجيش اللبناني في مؤشر لا يمكن قراءته سوى في اطار توجيه رسالة قوية الى انه سيكون صعبا ترك لبنان يواجه تحديات مماثلة لتلك التي حصلت في العراق او سوريا، علما ان الظروف مختلفة من دون ان يعني ذلك ان المشهد المتداعي لدول عدة في المنطقة لا يدفع اللبنانيين الى الخوف. وهذا الدعم للجيش تلاقت على تقديمه دول مؤثرة من اجل مساعدته على مواجهة اي مخاطر ارهابية فسارعت الولايات المتحدة الى تسليم اسلحة نوعية مختلفة عن السابق وقدمت المملكة السعودية هبة جديدة للجيش الى جانب هبة الثلاثة مليارات من الاسلحة الفرنسية. كما تقدم دول اوروبية مساعدات للجيش منها بريطانيا وايطاليا، وصولا الى ايران التي خرجت اخيرا من اطار العروض الكلامية الى الاستعداد لتقديم مساعدة عملانية وفي اول اشارة رمزية لدعم لبنان الدولة بغض النظر عن طبيعة هذه المساعدة وماهيتها. وهذان التنوع والتعدد الظاهريان الاقليميان والدوليان في مشهد الحرص على دعم لبنان في مواجهة مخاطر الارهاب يشكلان في الوقت نفسه بالنسبة الى هذه المصادر شبكة امان ضرورية وذات مغزى في هذه المرحلة. في حين لا تستبعد هذه المصادر ان يكون خضع موضوع التخويف بتمدد داعش وتوسعها في لبنان في ما يعنيه من شمول لبنان بالحرب القائمة في المنطقة لامرين: احدهما هو تفاقم الوضع في المنطقة من اليمن الى العراق وسوريا والسودان وعدم ظهور نجاح ملموس يذكر للعمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي ضد داعش حتى الآن مع تقدم هذا التنظيم في كوباني مثلا. والآخر هو التوظيف السياسي لصعود تنظيم الدولة الاسلامية لاهداف ومصالح مختلفة رآها البعض مثلا في استفادة “حزب الله” في شكل خاص مما حصل في جرود عرسال من اجل تقديم تبريرات اضافية لانخراطه في الحرب في سوريا ومحاولته استغلال الفرصة من اجل جمع اللبنانيين حوله فيما يراها البعض الاخر توظيفا للمنطق المضاد حول استدراج الحزب الحرب السورية الى الداخل اللبناني من خلال تورطه فيها في الوقت التي يحاول فريق ثالث الاستفادة من هذه المخاطر الجديدة التي ظهرت على ابواب لبنان من اجل اعادة توحيد اللبنانيين. الامر الذي ادرج هذا الموضوع في اطار التجاذبات السياسية الداخلية من دون ان ينفي ذلك في الوقت نفسه مواجهة لبنان مخاطر بروز بؤر ارهابية تعتقد هذه المصادر، اسوة بما تعتقده مصادر وزارية، أن هامش هذه البؤر يبقى واسعا على خلفية اسباب مختلفة. فثمة مخاوف من غزوات على المناطق الحدودية وفق ما شهدته جرود بريتال اخيرا، بحيث لا يستبعد ان تبقى مناطق التماس معرضة لان تشهد المزيد من تداعيات الحرب السورية علما ان هذه التداعيات لم تتوقف منذ بدء الحرب السورية. وهو ما يضيف الى جرح عرسال النازف وغير القابل للاقفال في المدى المنظور واقعا يثقل على لبنان من حيث تأثيره على صعد عدة يترجم اما في الضغط الذي يمثله ذلك على الواقع السياسي وثبات الدولة اللبنانية بالتزامن مع حال ضعف على صعد عدة او في فوضى في بعض المناطق السنية الفقيرة والمحتاجة حيث لا يمكن نفي مشاعر الاحتضان او التعاطف على خلفية طائفية او مذهبية كما على خلفية سياسية ايضا، ما يؤدي بدوره الى الضغط على الجيش ووحدته وقدرته في الوقت نفسه، خصوصا ان هذا الضغط يفرض اللجوء غالب الاحيان الى الامن بالتراضي في محاولة للموازنة بين الطوائف وحساسياتها الداخلية.
وتلحظ المصادر الوزارية ان العنف الكلامي قد يكون اكبر مما يحصل في الواقع من دون نفي او استبعاد المخاطر، خصوصا ان موضوع خطف الرهائن العسكريين يلقي بثقله على الواقع السياسي في ظل تخبط لم تخرج منه الحكومة حتى اللحظة وفق مواقف وزرائها، علما ان ورقة الضغط الاساسية يمارسها الخاطفون ما يبقي مسار الوضع رهينة لهم الى حد كبير ايضا. الا انه في ظل الصورة السوداوية التي ترتسم في الافق بناء على كل ذلك والتي لا يمكن ازالتها او تجاوزها بسهولة، ثمة ايجابيات نسبية تلاحظها هذه المصادر اولا في وجود شبكة من الدول الداعمة للجيش ليس كلاميا بل عمليا بما يعنيه ذلك من دعم لتماسك ووحدة المؤسسة الاولى والاساسية في البلد. وثانيا في التوجه الذي يترجمه الافرقاء السياسيون بالمحافظة على الحكومة في هذه المرحلة، لا سيما منهم تيار المستقبل الذي لا يمكن انكار جهده في منع الانجراف نحو التطرف ورفع راية الاعتدال في الاوساط السنية. وثالثا في التوجه الذي يمثله التوافق على التمديد لمجلس النواب بما يعنيه من رغبة على بقاء المؤسسات فاعلة ولو ان هذا التمديد له سيئاته فضلا عن اطلاق عمله التشريعي بما يمكن ان يريح البلد نسبيا ويضمن تماسكه بالحد الادنى خصوصا في ظل العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية.