يشهد لرئيس مجلس النواب نبيه برّي بأنه سيّد المداخل والمخارج معا، لا شيء يعصاه في الازمات فقد منحه الله كما من الدهاء المقرون بالحكمة العالية كفيلا بحلحلة المشاكل مهما علا سقفها، اضافة الى انه مسكون بالشعر والبلاغة المفرطة في الاناقة، ناهيك بحفظه للامثال الشعبية التي غالبا ما يطلقها لتوصيف المراحل، فتأتي حفرا وتنزيلا، من «الضرب بالميت حرام» يوم اطيحت حكومة الرئيس سعد الحريري وصولا الى «كثرة الضرب على اللحام بيرخي» في توصيفه لتداعيات حرب اليمن على الساحة المحلية حيث اشتعلت جبهات المواقف بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» لما للطرفين من تحالفات خارجية تملي عليهما ذلك ما يهدد ورشة الحوار بينهما التي اخترعها برّي لتبريد الاجواء ومرجل الشحن المذهبي، خصوصا وان حرائق التكفير تجتاح المنطقة من ادناها الى اقصاها، فقد تمنى «ابو مصطفى» على الجميع استعمال الالفاظ الملطفة في الردود والردود المضادة كي لا تطير طاولة الحوار ويقع البلد في المحظور القاتل وفق الاوساط المواكبة لايقاع برّي.
ولعل البارز في شخصية برّي انه نجح في ان يكون حكما بين الافرقاء تضيف الاوساط، على الرغم من انه مكون اساسي من مكونات 8 آذار لذلك يجنح الى الاعتدال والعقلنة في زمن تحولت فيه الساحة المحلية الى برج بابل بامتياز حيث تتعدد اللغات وتنتفي المعاجم، الا ان «ابو مصطفى» يلتقط الاشارات ولو كانت مبهمة لا مستحيل في قاموسه ولو كان الزمن رديئا يسعى الى تمرير المرحلة بالحد الادنى من الخسائر لا سيما وان الزلازل الكبيرة غيّرت خرائط المنطقة واطاحت حضاراتها على ايدي همج «داعش» و«النصرة» وما يقلقه ان البلد اشبه ما يكون بطائرة شراعية في ظل الشغور في الموقع الاول في الدولة اضافة الى وضع الحكومة المترجرج، والشلل الذي اصاب مجلس النواب على خلفية عدم جواز التشريع في غياب الرئاسة واختراع «تشريع الضرورة».
وتضيف الاوساط انه على الرغم من هذه الصورة القاتمة يجهد برّي بتحريك المستنقع السياسي فاستعاض عن الزيارة التقليدية التي كان يقوم بها ايام الاربعاء للقاء رئيس الجمهورية «بديوانية عين التينة» التي يجمع فيها نواب فريقه السياسي لمناقشته المستجدات لقد بات مقره نقطة استقطاب وممرا الزاميا للزوار الخارجيين من الديبلوماسيين والسياسيين اضافة الى الاقطاب على الحلبة المحلية حيث يلمس زواره ان لكل عقدة حلا لدى رئيس مجلس النواب وغالبا ما يفتقد في ليال تشكيل الحكومات حيث يبرع في «ادخال الجمل الوزاري من خرم الابرة» الا انه في المرحلة الاستثنائىة التي تعصف بالمنطقة يحاول «ابو مصطفى» ان يلعب على وتر التبرير في تجاذبات الرؤوس الحامية لا سيما وان لعبة الامم اكبر من اللاعبين المحليين خشية ان يتحولوا الى وقودها فتلتحق الساحة المحلية بغيرها من ساحات الحرائق.
وتشير الاوساط الى ان برّي يضع كل امكاناته في ورشة الحوار بين «حزب الله» و«المستقبل» لان انفراط عقدها ستكون نتائجه كارثية على البلد حيث جرود عرسال والقلمون تختزن آلاف المقاتلين التكفيريين الذين يملكون خلايا نائمة في المخيمات الفلسطينية وخصوصا مخيم عين الحلوة المسكون بالغرائب والعجائب من فصائل التكفير التي سعت وتسعى جاهدة لتنفيذ محاولة اغتيال تستهدف «ابو مصطفى» على خلفية ضرب الرأس وما يشكله الامر من تداعيات قد تحرق الاخضر واليابس وتعيد عقارب الزمن اربعين عاما الى الوراء الا ان معظمها قد كشف ويعرف بري جيدا اسماء المخططين ومن كان سينفذ.
وتقول الاوساط ان هم بري في المرحلة الراهنة تكمن في استعجال ملء الشغور الرئاسي كون الفراغ يستجلب الفراغ وان «التمديد شر لا بد منه «سواء اكان للمجلس النيابي او في المواقع الامنية كون الضرورات تبيح المحظورات وعلى قاعدة «مكره اخاك لا بطل» ويأمل برّي من ورشة الحوار القائمة ان تؤدي الى حلحلة ليس فقط على الواقع الامني بل قد تفتح نافذة على انجاز الاستحقاق الرئاسي الذي اذا حصل وفر على الساحة السياسية كل «الفزلكات» التي تلبس ثوبا دستوريا ليس على مقاسها اطلاقا.