من لم يأبه لمصير بلد بأمه وأبيه بعدما أدخله في آتون الحروب المتنقلة والمتعددة وجعله نقطة استهداف متواصلة لسنوات من خلال ادخاله مُرغماً في محور النزاع القائم في المنطقة، كيف له أن يفيض معرفة في أسس السيادة والاستقلال وأن يتحدث عن الطرق التي يجب سلكها لمعالجة إحدى اكبر القضايا العالقة في بلده؟ والأنكى من هذا وذاك، كيف لجهة أسّست لمثل هذا اليوم، يوم هجّرت الشعب السوري واحتلت أرضه بعد أن نكّلت به ولم ترحم طفلاً وامرأة وشيخاً، أن تدق ناقوس الخطر في مسألة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم وأن تفرد صفحات من التهويل والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور، في حال طال مكوث النازحين في لبنان؟
أمس الأوّل، تناول رئيس الحكومة سعد الحريري ملف النازحين السوريين من ثلاثة مفاصل: الأول أمني والثاني قانوني – قضائي، والثالث وطني. في الأول سأل الحريري: «كيف يمكن لحكومة النظام في سوريا التي هي طرف أساسي في تهجير مئات آلاف السوريين إلى الأراضي اللبنانية، أن تبحث في إعادتهم وحمايتهم؟. وفي الثاني لفت إلى أن «المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية تفرض على الحكومة اللبنانية سلوك خيارات مضمونة، تحمي الصيغة التي توافق عليها اللبنانيون تحت سقف الشرعية الدولية». أما في الشق الأخير، فقد أسف الحريري لأن «هناك مزايدات من نوع جديد، تستخدم مأساة النازحين السوريين، لتحقيق نقاط سياسية رخيصة، من دون التنبّه إلى أنّها تهدد الاستقرار، عبر محاولة توريط الحكومة اللبنانية بالاتصال بالنظام المسؤول أساساً عن مأساتهم، لا بل عن مأساة كل السوريين».
في وقت تُجمع فيه كل الدول ومعها الأمم المتحدة والمؤسسات القانونية وجمعيات حقوق الانسان، على وصف نظام الأسد بالمجرم والارهابي لارتكابه أنواعاً من عمليات القتل والتنكيل، يذهب «حزب الله» ليُفتّش في زوايا الأحقاد عن أعذار وحجج علّه يتمكّن من تعويم حليفه مجدداً بعد ست سنوات من غرقه بدماء الشعب السوري حتى أذنيه. وهل سأل نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بعد كلامه امس عن أن «النازحين السوريين في لبنان يعيشون المشاكل والتعقيدات الكثيرة، ولا يظنن أحد أن النازحين يعيشون حياة طبيعية في لبنان أبداً»، من سوف يحمي هؤلاء من بطش النظام وملاحقته في عودتهم إلى مدنهم وقراهم؟. ثم ألم يعد النظام و«حزب الله» المدنيين في حلب والزبداني ومضايا، وغيرها الكثير من البلدات السورية، معاملتهم بشكل يليق بهم في حال سلّموا أنفسهم للنظام؟. ماذا كانت النتيجة؟. قتل وتعذيب وزج في السجون بالإضافة إلى العديد من عمليات السرقة والاغتصاب التي كانت تتم عند نقاط الفصل والتي سُميت يومها بـ «المعابر الآمنة».
يُمكن لـ «حزب الله» أن يتعاطى في ملف الأزمة السورية على قاعدة صيف وشتاء على سطح واحد. قد يُجيز لنفسه القفز فوق أوجاع النازحين ومأساتهم من باب التحذير من وجودهم في لبنان ووصفهم بـ «الإرهابيين» وصولاً إلى العمل مح حلفائه من أجزاب وأفراد في السفارة السورية في لبنان، على توقيفهم واتهامهم بدعم الثورة وسوقهم واقتيادهم الى التحقيقات ثم السجون الخاصة قبل تسليمهم للنظلم السوري حيث السجون هناك بانتظارهم. هذا في الصيف، أمّا في الشتاء، فيسمح الحزب لنفسه بلعب دور المحامي عن النازحين والذهاب الى حد المطالبة بحقوق ومكتسبات هم أنفسهم قد لا يُطالبون بها لأسباب قد لا تتوفر لدى الدولة اللبنانية، وأحياناً يذهب إلى حد اتهام الحكومة بانها لا تسعى إلى تثبيت الاستقرار في البلد لمجرد رفضها التواصل مع حكومة الأسد المُصنفة إرهابية وغير شرعية، وذلك بحسب المجتمع الدولي.
ومن هنا كلام الرئيس الحريري عن استخدام البعض لأزمة النازحين السوريين لأهداف لم تعد خافية على أحد، وهي لا تبدأ بتسجيل نقاط سياسية، ولا تنتهي بمحاولة بث الروح في هيكلة النظام السوري على الرغم من أن أحد وزراء الحزب، ذهب في احدى خياراته، لا «خياناته»، «الوطنية» إلى حد القول أن «النظام السوري لا يحتاج إلى تعويم من حكومة لبنان من طريق التواصل معها، اذ لديه حضوره ودوره بدليل تعاطي دول العالم معه وتمثيله الديبلوماسي في لبنان». في الشق القانوني لا بد من استفسار قضائي من «حزب الله» حول طلب القضاء اللبناني استجواب اللواء علي مملوك والعقيد عدنان بصفة مدّعى عليهما، والاستماع إلى مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان بصفة شاهدة في الملف المعروف باسم (سماحة مملوك)؟.
مصدر قانوني يؤكد لـ «المستقبل» أنه «في جميع الأحوال، يُمكن للحكومة اللبنانية اللجوء إلى العديد من الطرق في ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المُعترف بها وجمعيات حقوق الإنسان. ومن ضمن الخيارات التي يُمكن للحكومة سلوكها لاعادة النازحين هي عن طريق الأمم المتحدة المُجبرة تنفيذ مقررات الحكومة في هذا الشأن، وبهذا يكون التنسيق تم من دون التواصل مع النظام السوري»، مشيراً إلى أن «ما يهم الحكومة في هذا المجال بشكل أساسي، هو ضمان عودة آمنة للنازح من دون تعرضه للاعتقال أو القتل خصوصاً وأن المناطق التي سيتوجه اليها بعد مغادرته لبنان، تتبع لسلطة النظام».
ويلفت المصدر إلى أنه «على حزب الله الحليف الأساس لنظام الأسد، أن يسعى مع حليفه من أجل تأمين مناطق آمنة لا تخضع لسلطة أي طرف بدل المنطق الهجومي الذي يعتمده والذي يصل إلى حد تخوين الحكومة، مع العلم أنه جزء من تركيبتها، وتحت أعينه وبرضاه، وُلد البيان الوزاري الذي يدعو إلى النأي بلبنان عن ساحة المواجهات في المنطقة وعدم تعريضه للخطر»، مضيفاً: «بغض النظر عن عدم توقيع لبنان على اتفاقية العام 1951 ولا بروتوكول العام 1967 الخاصين باللجوء. فإنه ليس من الضروري الاستناد إلى هذه الاتفاقية، إذ يمكن للحكومة اللبنانية أن تستند إلى مبدأ النأي بالنفس لطلب وساطة طرف ثالث، كالأمم المتحدة، كي يتولى حل هذه المسألة. وهنا ما على الحزب إلا الموافقة على أي قرار يتم اتخاذه داخل الحكومة سواء صب في مصلحة سياسته، أو في مصلحة اللاجئ السوري، وهي الأهم».