Site icon IMLebanon

«حرب إلهاء» أميركية تخوضها باكستان على أراضٍ إيرانية؟

 

على لائحة «الحروب المتدحرجة» وضعت المواجهة الأخيرة على الحدود الباكستانية – الإيرانية، في توقيت تعدّدت فيه الجبهات المفتوحة في أكثر من منطقة. وإن كانت طهران معنية مباشرة بما استجد في عمق اراضي الدولتين، كان من الطبيعي ربطها بما يجري في قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا والعراق امتداداً الى اليمن. وعليه، طُرح السؤال: هل استُدرجت إيران الى الفخ لتواجه «جبهة إلهاء» هي الأولى على ارضها؟ وهل من إيحاء اميركي بطريقة لها ما يبررها؟

أجمعت مراجع ديبلوماسية وسياسية واستخبارية على الربط بكل المقاييس بين ما جرى في المواجهة العسكرية المستجدة بين ايران وباكستان في عمق أراضي البلدين، ومسلسل الحروب المتناسلة التي انطلقت في أكثر من دولة في المنطقة بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي. ورأت فيها حروباً صغيرة متناسلة، تدحرجت من دولة الى اخرى، فانتقلت في ساعات قليلة الى جنوب لبنان بقيام جبهة «المساندة والإلهاء» التي اطلقها «حزب الله» من طرف واحد في جنوب لبنان، قبل ان تنتقل تردداتها الى محيط القواعد الاميركية في سوريا والعراق، ومن بعدهما الى باب المندب بقرار يمني، لمنع عبور البواخر التي تقصد الموانئ الاسرائيلية عبر البحر الاحمر الى حين «وقف العدوان على قطاع غزة»، وصولاً الى الغارات التي شنّتها ايران في عمق أراضي كردستان – العراق وفي الداخل الباكستاني، قبل ان تردّ عليها إسلام آباد بعمليات مماثلة في أقل من 24 ساعة.

كان ذلك كافياً لرسم إطار جديد لمسلسل الحروب في المنطقة وامتداداتها من ساحة الى اخرى، بطريقة رفعت منسوب التوتر بين الحلف الاميركي – الغربي المساند لإسرائيل من دون أي سقف او حدود من جهة، و»محور الممانعة» الذي ترعاه إيران من جهة اخرى الى الذروة، على وقع استخدام اسرائيل المفرط للقوة وارتكاب المجازر المروعة بحق المدنيين الفلسطينيين والقطاعات الصحية والتربوية والانسانية في قطاع غزة وممارساتها في الضفة الغربية، والتي استفزت الرأي العام العالمي الى درجة برّرت فيها اي ردّ من الجانب الآخر اياً كان توقيته وشكله ومضمونه على مستوى المنطقة والعالم.

وما زاد في الطين بلّة، انّ واشنطن التي برأت طهران وأعفتها من المسؤولية المباشرة لما جرى في عملية «طوفان الأقصى» في «غلاف غزة»، وما تلاه في جنوب لبنان في بداية الحرب، عادت واتهمتها بتحريض «أذرعتها» في سوريا والعراق، باستهداف القواعد الاميركية فيهما بعشرات العمليات، في موازاة العمليات في البحر الاحمر التي استهدفت البواخر الاسرائيلية والأميركية والبريطانية ومن جنسيات مختلفة، على الرغم من إعلان الحوثيين بأنّها لن تستهدف سوى البواخر التي تقصد الموانئ الإسرائيلية اياً كانت هوياتها وحمولاتها ومصدرها. وكان ذلك، قبل ان تتطور العمليات البحرية لتستهدف باخرتين اسرائيليتين في المحيط الهندي قبالة السواحل الايرانية في عمق يمتد الى اكثر من «ثلاثة آلاف كيلومتر من الأراضي الإيرانية» في الرابع من كانون الثاني الجاري بصواريخ بالستية موجّهة. وتجاوزت بذلك أدوار «حلفائها» من «الجيوش الخمسة» التي أنشأها الحرس الثوري في البلدان العربية والخليجية، فانخرطت إيران مباشرة في الحرب بفتح ساحة إضافية. فكانت عملياتها العسكرية ضدّ المنشآت الديبلوماسية الاميركية في كردستان – العراق ومن سمّتهم بمراكز «الموساد الاسرائيلي»، وفي باكستان حيث من سمّتهم بـ «مواقع الإرهابيين»، فانفجرت بين الدولتين في «رمشة عين». فالغارات الإيرانية تجاوزت تردّداتها وأيقظت خلافات تاريخية لا تخلو منها منطقة في العالم.

وقبل التوسع في ما يمكن ان تقود اليه المواجهة الباكستانية – الايرانية، وقبل تبيان مصير الوساطة الصينية التي انطلقت لترتيب العلاقات بين البلدين، تجدر الاشارة الى وجود أسباب عدة يمكن ان تقود الى الخلاف الذي نشب بين الجارتين اللتين تجمعهما حدود بمسافة تقارب الـ 900 كيلومتر، على خلفيات مناطقية وعرقية وطائفية مجتمعة. وهي عوامل تعنيهما مباشرة لمجرد المسّ بـ«أمنهما الاقليمي»، كما يدّعي الطرفان، على الرغم من التعاون السابق بينهما في محطات عدة، عندما دعمت إيران باكستان في حربها ضدّ جارتها «اللدود» الهند، عدا عن أعمال التنسيق الأمني بينهما لتوقيف وتبادل ما يسمّيانه «قادة الإرهابيين». وبمعزل عن هذه الملاحظات، وعند مقاربة ما قاما به مؤخّراً يمكن التوقف عند التصنيف الآتي:
– إنّ المواقع التي استهدفتها إيران في عمق الأراضي الباكستانية تستخدمها جماعات مسلّحة تطلق على نفسها اسم «جيش العدل». وهي حركة «سنّية مسلّحة»، تقول إنّها تسعى «للعدالة والمساواة» منذ قيام الثورة الاسلامية في إيران، وتصنّف نفسها على أنّها مدافعة عن «حقوق السنّة في إيران». وقد خاضت مواجهات عدة مع السلطات الايرانية في محافظتي «سيستان» و»بلوشستان» المجاورتين للحدود الباكستانية وأفغانستان، وتحتمي بأنظمة الدولتين «على القطعة». وقد سبق لإيران ان اعتقلت احد قادتها عبد الملك ريجي، عندما كانت تُسمّى بحركة «جند الله»، وتمّت محاكمته وإعدامه عام 2010، لإدانته بتهم عدة، منها العمالة للولايات المتحدة، وبريطانيا، وتنفيذ تفجيرات استهدفت قوى الأمن، ومحاولة اغتيال الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عام 2005.

– اما المواقع التي استهدفتها باكستان رداً على العملية الإيرانية على خلفية اتهام طهران بـ «خرق الاتفاقات الثنائية بين البلدين، وتقويض روح التعاون الإسلامي، في وقت تجري فيه المجازر في غزة». وهي مواقع تابعة لـ «البلوش» المنتشرين في منطقة حدودية جنوب شرقي إيران إلى جانب الحدود الباكستانية، وقد سمّتها وزارة خارجية إسلام آباد بأنّها تشكّل «ملاذات إرهابية» في محافظتي «سيستان» و»بلوشستان» لمجموعات تهدّد أمنها من وقت لآخر وفي مناسبات سابقة، وهي تنتشر في منطقة عمليات «جيش العدل».

وعلى هذه الخلفيات، فإنّ هذه العمليات العسكرية المتبادلة ايقظت هواجس امنية واستخبارية سابقة تؤرق نظامي الدولتين، وهو ما يمكن استخدامه من عوامل التفجير الداخلية التي تبعدها عمّا يجري في غزة والمنطقة، وسط مخاوف من ان تكون قوى دولية قد استدرجت ايران الى هذه المواجهة على أرضها، بهدف إلهائها عمّا يجري في ساحات بعيدة منها، إن ثبت انّ هناك أيادي أميركية شجعت باكستان على الردّ، باعتبار انّ ما ارتكبته طهران كان «خطأ جسيماً» لا يشبه ما جرى في العراق. ذلك انّه، وإن ربطت ما جرى في كردستان – العراق بأنّه عمل مبرر ومشروع استناداً الى ما سمّته طهران بـ «الاتفاقيات الثنائية» مع العراق، التي سمحت لها بعملياتها على أراضيه وفي اي منطقة حدودية، فإنّ ما جرى في الداخل الباكستاني له قراءة وتداعيات مختلفة على اكثر من مستوى. واقلّها أنّها شكّلت «هدية ثمينة» للاميركيين وحلفائهم، وانّ استثمارها مفيد للغاية لاستدراج ايران الى حرب إضافية تجري للمرّة الأولى على أراضيها.

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ الحديث عن جبهة ايرانية – باكستانية عابرة أو مستدامة ما زال مبكراً، بانتظار التطورات المقبلة في ظلّ الاستنفار المتبادل على حدود البلدين، ليُصار من بعدها الى إضافتها الى لائحة الحروب المتناسلة، من الحرب على غزة وما انتهت اليه على الجبهات الاخرى المختلفة.