Site icon IMLebanon

مشروع لسحب الورقة الفلسطينية من يد طهران

 

 

عندما كان المسؤولون اللبنانيون غارقون في المناكفات السياسية قبَيل فتح صناديق الاقتراع كانت المراجع الديبلوماسية تتابع الجديد المنتظر بعد قمم «شرم الشيخ» و«النقب» و«العقبة» على وَقع الغليان الذي يجتاح العالم. فالحديث عن حلف جديد يحاكي مستقبل المنطقة لم يعد مجرد سيناريو. وعليه، هل في ما جرى تبادله من طروحات ما يُحيي المفاوضات بين تل أبيب ورام الله لسحب الورقة الفلسطينية من يد طهران التي كانت سبباً في عقد هذه القمم؟

لم تكن المراجع الديبلوماسية قد استوعبت بعد نتائج قمة شرم الشيخ التي جمعت قادة مصر والإمارات وإسرائيل حتى اعلن عن «قمة النقب» التي جمعت بفارق ايام قليلة وزير خارجية اسرائيل الدولة المضيفة ونظرائه وزراء خارجية كل من مصر والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة الاميركية تزامناً مع قمة رباعية عقدت في العقبة وجمعت قادة مصر والأردن والعراق والإمارات، وهو ما دفع الى استعجال البحث عن الخلفيات التي قادت الى هذا الحراك الكبير الذي لم تشهد المنطقة له مثيلا منذ سنوات عدة سبقت الاتفاقات الابراهيمية التي عقدت في البيت الأبيض في أيلول 2020 وانتهت الى تبادل التمثيل الديبلوماسي بين اسرائيل ومجموعة من دول مجلس التعاون الخليجي والسودان.

على هذه الخلفيات ركزت مجموعة من التقارير الديبلوماسية التي وردت الى بيروت من اكثر من عاصمة معنية بالحدث، على وقائع ما جرى في الشكل والمضمون وهي ما زالت تبحث عن الترددات التي يمكن ان تقود اليها والتغيّرات الجذرية المتوقعة في سياسات هذه الدول وما يمكن ان تخطط له معاً في ظل الإجماع على مواجهة ايران وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على اكثر من مستوى عدا عن العلاقات فيما بينها.

وفي الوقت الذي اكتسب الشكل في القمم الاخيرة اهمية بالغة، فإلى ما خطفته الصورة التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي يحوط به عن يمينه ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية الشيخ محمد بن زايد، وعن يساره رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت إلى شرم الشيخ يوم أمس. فقد جاءت الصورة الاخرى من صحراء النقب والتي جمعت وزراء خارجية الدول الست للمرة الأولى في «كيبوتس» القرية التعاونية في النقب، قبل ان يلتقي في «قمة العقبة» كل من الزعماء الأربعة الأردني والمصري والإماراتي ورئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بصفته الراعي لمسار المفاوضات السعودية – الايرانية.

والى هذه الملاحظات الشكلية التي لا تغفل اهمية المضمون، فقد اشارت تقارير ديبلوماسية الى انه والى جانب ما أعلن في البيان الختامي لقمة النقب ـ في اعتبارها اهم واخطر القمم – عن تشكيل لجان أمنية لمواجهة التهديد النووي الايراني، وشبكة أمنية للإنذار المبكر. فقد اتفق المجتمعون على عدد من الخطوات التي تضمن مواجهة ترددات الأزمات الدولية والتحديات الاقتصادية والامنية، ومن بينها ملف المفاوضات السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين.

وفي المعلومات القليلة التي تسرّبت عن أجواء «قمة النقب» ان الوزراء العرب أسهبوا في مطالبة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن بأن تُحيي بلاده جهودها في ملف العلاقات الاسرائيلية – الفلسطينية وفق الرؤية التي عبّر عنها الرئيس الأميركي جو بايدن في منتصف أيار الماضي عقب حرب الأيام الـ11 التي شهدتها غزة على أنّ «حل الدولتين» هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، مشددا على «قيام دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل»، ومشددا ايضا في الوقت نفسه على «التزامه بأمن إسرائيل»، ومتعهداً «انه سيعمل بالتعاون مع المجتمع الدولي على توفير مساعدات لإعادة إعمار غزة».

وفي التفاصيل التي لم يُشر اليها البيان الرسمي الصادر عن «قمة النقب» فقد تحدثت التقارير عن اقتراحات تؤدي الى احياء المفاوضات المعلقة بين تل أبيب ورام الله بهدف سحب الملف الفلسطيني مما يسمّونه «المزايدات الايرانية» تجاه العرب منذ احداث ايار العام الماضي، إثر العمليات العسكرية التي شهدتها مدن اسرائيلية مع عرب الـ 48 وقاطنيها والحرب على قطاع غزة التي امتدت لأيام عدة وانتهت الى إبعاد السلطة الفلسطينية وعزلها عن القطاع لمصلحة حلفاء إيران فيها. حتى ان مداخلة أحد الوزراء العرب ربطت نجاح القمة بإحياء هذه المفاوضات واعطاء الفلسطينيين ادنى حقوقهم.

ونقلت التقارير بعضاً من مداخلات الوزراء العرب ولا سيما منهم المصري سامح شكري ونظيريه البحريني عبد اللطيف الزياني والمغربي ناصر بوريطة الذين شددوا على اهمية احياء الحوار بين اسرائيل والفلسطينيين في اعتبار ان القضية الفلسطينية، وعلى رغم من موجة التطبيع الممتدة منذ اتفاقية «كمب ديفيد» الى اليوم، ما زالت تعد «قضية العرب الاولى» وان التفاهمات الاخيرة لن تحصن وتصمد ما لم تعط اسرائيل الاولوية لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق المبادرات السابقة ولا سيما ما أقر في قمة بيروت عام 2000 التي كرّست مبدأ «الأرض مقابل السلام» ودعم «حل الدولتين وفق حدود حرب العام 1967 مع التأكيد أن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين»، وكل ذلك بهدف إبعاد الايدي الايرانية عن الساحة الفلسطينية وسحب هذه الورقة من يد طهران نهائياً.

وتأسيساً على هذه المعلومات التي تجمّعت من هذه القمم، جاءت الزيارة المفاجئة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمس الأول الى رام الله حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل ساعات على استقباله الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوغ في زيارة معلنة لعمان، لتؤكد انّ البحث سيتناول الى الهموم الحالية ملف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية وهي على صِلة مباشرة بما تقرر في «قمة النقب» ولقيت اصداءها في «قمة العقبة».

والدليل كان واضحا عندما قالت الحكومة الاسرائيلية ان زيارة هرتسوغ جاءت بتوصية منسقة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت، ووزير خارجيته يائير لابيد اللذين شاركا في لقاءات قمتي «شرم الشيخ» و«النقب» بالإضافة الى العاهل الاردني الذي استضاف «قمة العقبة».

وفي المعلومات الاسرائيلية انّ البحث تناول موضوع «الاستقرار في المنطقة مع التركيز على موسم الأعياد المقبل» وتحديداً على أبواب شهر رمضان بعد معلومات جرى تداولها في قمتي شرم الشيخ والنقب بأنه سيكون لاهباً أمنياً، وهو ما دلت اليه العمليات «الفدائية» التي قام بها فلسطينيون في الايام القليلة التي أعقبتها في بئر السبع وجوار تل أبيب وأدّت الى مقتل عدد من الاسرائيليين.

وليكتمل المشهد الذي انتهت إليه مجموعة القمم يمكن القول بالمختصر المفيد، انه وان ثبت انّ مَن نفّذ هذه العمليات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هم من المجموعات التي يرعاها «الحرس الثوري الايراني» فإنّ الرسالة التي قدمتها مجموعة القمم الثلاثة تكون قد وصلت بسرعة الى طهران ليبدأ فصل جديد من المواجهة بين المحورين، وهو ما يطرح مجموعة اسئلة ابرزها: هل انّ اسرائيل جاهزة للعملية السلمية مع الفلسطينيين وأن هناك ثمناً عليها دَفعه تجاه مَن التقوا على أرضها وفي جوار النصب التذكاري لمؤسس الدولة اليهودية ومَن أوصى بطرد الفلسطينيين من ارضهم ديفيد بن غوريون وفي عيد مولده؟ وهل ستقتصر المواجهة الجديدة على الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية؟ ام انها ستمتد الى الساحات الست الاخرى ومنها لبنان والتي قال الحرس الثوري انه أنشأ جيوشاً له فيها؟