IMLebanon

الحرب في ذروتها ورؤوس في الرمال

 

من زمن بعيد ينكر بنيامين نتنياهو ومن قبله مناحيم بيغن واسحاق شامير حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، أو أي دولة يقترحها المجتمع الدولي والأنظمة العربية استناداً لقرارات، لم تحترم يوماً، أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة كما مجلس الأمن الدولي.

وعلى الرغم من تكرار هذه المواقف والإعلان عنها صراحة من جانب هذا المثلث الصهيوني وأنصاره وتلاميذه من غلاة المتطرفين لا زالت الأنظمة العربية تتجاهل الموقف الإسرائيلي الحقيقي من القضية الفلسطينية وتعتبر أن التسوية ممكنة وقادمة بناء على قرارات الشرعية الدولية والوعود الأميركية التي تبرز على شكل تصريحات سياسية منتقصة تردد باستحياء فكرة فتح الآفاق نحو قيام دولة فلسطينية مبهمة مجرّدة من السلاح في إطار حل الدولتين، على شرط أن يسبق ذلك اعتراف عربي شامل بالكيان الصهيوني مقروناً بالرضوخ المباشر لتفوّقه وزعامته للمنطقة وسكوتاً مطبقاً عن جرائمه وتطبيعاً كلياً للعلاقات معه.

 

وكلما قام الجانب «الإسرائيلي» بتوضيح مواقفه الجذرية والتأكيد عليها تجاهلت الأنظمة العربية الأمر وكررت مواقفها النمطية وأجرت اتصالات مع بعضها البعض أو مع الخارج، خاصة واشنطن والاتحاد الأوروبي، على أساس ما تعتبره هي حقيقة مكرّسة في المسرح السياسي، بحيث تدور الحلقة المفرغة دورتها ويمضي «الإسرائيلي» في قضم الأراضي الفلسطينية وبناء المستعمرات عليها في سياق خطة شاملة لتهويد الأراضي المقدسة وإعلان الدولة اليهودية الخالصة عليها. وهذه الدولة المفترضة التي تستند الى قوانين إسرائيلية بحتة لا تقبل ولا تتحمّل وجود الفلسطينيين على أرضها. لذلك تعمل على تهجيرهم سواء بالضغط العسكري الإرهابي أو بالتضييق الاقتصادي والمجتمعي الذي يأخذ أشكال التنكيل والحصار والتجويع والتفريق بين أفراد الأسرة الواحدة وتوجيه الاهانات اليومية لأصحاب الأرض، فضلاً عن تعقيد حياة الطلاب والنساء والعمال والتجار على مستوى التعليم والمواصلات والتنقل والسكن والملكية مما يجعل الفلسطينيين جميعاً واقعين تحت حكم عنصري متمرس يعتبر نفسه فوق الآخرين ومكلّفاً تكليفاً «إلهياً» بالقيام بما يراه مناسباً من أعمال تلبّي حاجته أو تحاكي غريزته.

 

الإسرائيلي يقولها كل يوم: لا أريد فلسطينياً على «أرض إسرائيل»، والأنظمة العربية تغلق آذانها وتتصرف على أساس أن هذا الأمر – الذي تعتبره «إسرائيل» من أهم ثوابتها – لا يجوز التوقف عنده أو الاعتداد به.

إن سياسة النعامة التي تتبعتها الأنظمة العربية منذ تعلقها اللصيق بالقرارات الدولية أعطت «إسرائيل» الفرصة التي تريدها للمضي في سياسة التوسّع والقمع والتهجير وإلحاق الأضرار الفادحة بالقضية الفلسطينية. كما أتاحت للدول الممالئة للعدو الاستمرار في اعتماد سياسة المعايير المزدوجة والإبداع في سياسة المراوغة والمماطلة.

واليوم إذ تتعرض غزة لحرب إبادة جماعية تشمل أهلها وعمرانها ومياهها وترابها وهوائها تستمر الأنظمة العربية، عمداً، بتجاهل جوهر «الموقف الإسرائيلي»، وذلك تفادياً لتحمّل المسؤولية التضامنية الفعلية مع الشعب الفلسطيني، تلك المسؤولية التي تفرضها المبادئ الإنسانية والأخوّة العربية. من هنا يكتسب موقف المقاومة الإسلامية في لبنان وموقف اليمن والعراق وسوريا، وعدد من الهيئات والمنظمات العربية، أهمية خاصة في هذه المرحلة لأنه يتجاوب مع مصالح المقاومة والشعب في غزة من جهة، ويكشف تخاذل الأنظمة من جهة أخرى.

وبالمنظار التاريخي فإن هذا الأمر لا يمكن المرور به مروراً عابراً، إذ يترتب عليه مسؤوليات لا يمكن محوها من الوجدان العربي والإسلامي والإنساني، كما لا يمكن إزالتها عن الخريطة الفلسطينية التي تكتب بالدم.

هذه المسؤوليات التي تتجلى على أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال كافة، سيترتب عليها أيضاً مساءلات ومحاسبات لن يكون بالإمكان تفاديها مهما ناور المعنيون وتنصلوا. فإذا كانت هذه الأنظمة تعتبر التوافق مع واشنطن حكمة رغم تماهي واشنطن مع تل أبيب، فإن الحكمة تقضي بمخاطبة الوجع الفلسطيني والاستناد الى النداء الجماهيري العربي والدولي الذي ينتظر من أي مسؤول في هذا العالم أن لا يكتفي بوصف المشهد وإدانة تل أبيب فحسب، بل الانتقال الى خطوات عملية أقلّها قطع العلاقات مع الكيان وإحكام المقاطعة عليه وإرسال الدعم بكل أشكاله إلى غزة بالتفاهم مع الهيئات الدولية، أو بدونها إذا رفضت، فالأرض عربية منذ آلاف السنين والسيادة عليها يجب أن تكون عربية مهما أدّعى الاحتلال ومهما حاول تزييف الحقائق وفرض الوقائع.